الأب جون جبرائيل الدومنيكانيّ
سكونٌ غريب خيّم على كنيسة القديس بطرس، سكون لا يشبه الصلوات، بل يشبه الحيرة.
وقف بطريرك القسطنطينية قرب النعش، بثوبه الأسود وخطواته المترددة، كمن يحاول أن يجد في الموت مساحةً أخيرة للكلام.
كان يعرفه.
لم يكن البابا فرنسيس بالنسبة إليه وجهًا على شاشة أو اسمًا في نشرات المجامع.
كان أخًا في الدعاء، ورفيقًا في الحلم بوحدةٍ ظنّها البعض مستحيلة.
تبادلا العناق في القدس، والابتسامات في القسطنطينية، وكلماتٍ صدقها القلب في روما.
دَعاه، قبل شهورٍ قليلة، أن يأتي إلى تركيا، ليشارك في الاحتفال بمرور ١٧٠٠ عام على انعقاد مجمع نيقية، المجمع الذي جمع الكنيسة قبل أن تُمزّقها السياسات والطموحات.
قال له: "لنُعدّ نحن، معًا، شهادة إيمانٍ جديدة، لا نكتبها بالحبر، بل بالفعل."
لكنّه مات.
مات قبل أن يأتي.
اقترب البطريرك من التابوت، ووقف في صمت، كأنّه يبحث عن شيء في قلبه لا يعرف اسمه.
تساءل:
إن كان الانقسام بين الشرق والغرب سببه اللاهوت، فماذا عن انقساماتنا نحن، الأرثوذكس؟
أليست موسكو في خصامٍ مع كييف؟
أليست أنطاكية واليونان في خلافٍ لا يفهمه الناس؟
أليست بلغاريا ورومانيا وصربيا قد رسمت لكلّ منها خريطة كنسية خاصة، كأنّ جسد المسيح قد تمزّق إلى جمهوريات روحية صغيرة؟
هل كان اللاهوت هو السبب؟
أم أن الطمع في السلطة، المدعوم من عروش الأرض، هو الذي ألقى الزيت على نارٍ لم تكن تستحق أن تشتعل؟
هل كان الانشقاق قدرًا، أم رغبةً في التفوّق، ومنافسةً على من "يمثل المسيح" أكثر من الآخر؟ حتّى يظهر الإمبراطور أكثر قداسة على عرشه؟
وها هو ذا، من كان يُلقّب نفسه "خادم خُدّام الله"، راقد أمامه، صامتًا، هادئًا، كأنّه يقول:
"لم أعد أمثّل شيئًا… فليتكلم المصلوب."
أغمض البطريرك عينيه، ورفع صلاةً في قلبه:
"يا يسوع، أنت الذي صُلِبت بين لصين، لا تدعنا نُصلب بين قصرٍ وبطريركية…
لا تسمح أن يكون اسمك ذريعةً لمجدٍ فارغ…
علّمنا أن الوحدة ليست شعارًا، بل صليبًا…
وأن الصليب ليس حجر عثرة، بل طريقٌ إلى القيامة."
وضع يده على التابوت، كأنّه يودّع البابا، ويستقبل معه فكرةً قديمة:
أن الكنيسة، قبل أن تكون مؤسسة، كانت جماعةً من التلاميذ، يتعثرون، ثم يقومون، ويسيرون خلفك، في الطريق الضيّق.