الأنبا أنطونيوس عزيز
أطرح هذا السؤال على نفسى وعلى أخوتى المسلمين فى الوطن بعد أن وافق مجلس النواب على مشروع قانون تنظيم الفتوى. هذا ما دعانى لطرح ما لم يكن ليخطر لى على بال. فأنا أقول إنى مؤمن بدينى وكل مسلم مؤمن بدينه، لكنى سمعت شيوخًا أفاضل يقولون: معنى كافر هو من خالف عقيدتى فالمسيحى كافر بدينى وأنا كافر بدينه. هاتان نظرتان أجدهما عادلتين وإلى حد ما صحيحتين مع أنهما متضادتان فيما تؤكدان.

خطر المادة الثانية من هذا المشروع أن الفتوى موضوعها ليست فتوى أو رأيًا فقهيًا بل هى الفتوى الشرعية، أى هى الحكم الشرعى أو بتعبير أوضح هى حكم الدين فى أمر ما.

وقد قصرت المادة الثالثة من مشروع القانون صلاحية إصدار الفتوى العامة على هيئات ثلاث: «هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، أو مجمع البحوث الإسلامية، أو دار الإفتاء المصرية». كما حصرت صلاحية إصدار الفتوى الخاصة على: «هيئة كبار العلماء، أو مجمع البحوث الإسلامية، أو مركز الأزهر العالمى للفتوى الإلكترونية، أو دار الإفتاء المصرية، أو اللجان المشتركة التى يتم إنشاؤها أو أئمة الأوقاف الذين تنطبق عليهم الشروط والمنشأة بموجب أحكام المادة (4) من هذا القانون».

وتذكر المادة الخامسة أنه فى حال تعارض الفتاوى الشرعية يرجح رأى هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف.

هنا يكمن التضارب فى المعنى. فتعارض الفتاوى الذى تفترض وجوده هذه المادة، يؤكد أنه من الممكن أن تتعدد الآراء فى الموضوع ذاته، لذلك فإن ما يصدر عن الجهات السابق ذكرها لا يمكن أن يعد إلا رأيًا، يؤخذ منه ويرد، ويجوز فيه الاختلاف والتعارض بل القول بعكسه تمامًا، ولا يمكن بحال من الأحوال اعتباره حكمًا شرعيًا. فالفتوى التى تحمل فى طياتها هذه الصفات لا يمكن أن تمثل رأى الدين ولا يمكن أن تعد فتوى شرعية، ويجب أن توضع فى حجمها أى أنها فتوى لا تخالف الشرع وتحتمل أن يكون هناك معها فتاوى أخرى، وإن اختلفت معها فى الحكم، إنما تقاسمها الصفة نفسها أى أنها فتاوى لا تخالف الشرع.

ثم كيف يمكن أن تحصر جهات إصدار الفتوى، بل ويعاقب من يتصدى للفتوى أو للنصيحة الأخوية، فحق الفتوى، حتى العام منها، متاح لمن كان أهلًا لها، والفتوى الخاصة متاحة لكل فرد فهى حق له، بل له أن يؤمن وله أن يكفر.

وأنا اليوم أطرح هذا السؤال الذى ذكرته فى عنوان كلمتى على من سيكون بيده إصدار الفتوى المزعوم أنها «فتوى شرعية»، أى مَن بيده أن يحدد حكم الدين؟. ماذا يقول فى حكم من لا ينطق بالشهادتين؟ أمؤمن أنا أم كافر؟ وما الحكم علىّ فى الحالتين، لا فى النطق من عدمه، إنما فى الحكم علىّ كمؤمن أو كافر؟، وهل ستجتمع آراء الهيئات المختصة بالفتوى الشرعية على الجواب على هذه الأسئلة أم ستختلف الآراء؟. وهل سيكون مصير حياتى عندئذ بين يدى «هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف» لتحدد الرأى الواجب اتباعه؟

أناشدكم بحق الأخوة فى الوطن ألا تثيروا الفتنة بحجة تنظيم الفتوى. فيكفى لتنظيم الفتوى أن توضع الضوابط لإصدارها بما يكفل مطابقتها للشرع لكيلا تخرج عنه. أما هذا القانون فهو قانون يسبغ على الرأى الفقهى أو الفتوى صفة الشرعية ويخرجه من كونه رأيًا ليجعله حكمًا نافذًا على رقاب كل المواطنين المصريين مسلمين ومسيحيين ويعليه فوق القانون والدستور.

لم أجد فى المشروع ما يشير إلى عدم جواز الفتوى، أو بمعاقبة من يفتى بمخالفة ما جاء فى القانون الوضعى المصرى. وأنا على يقين أنه لا يوجد بند فى قوانيننا المتعددة يخالف الشرع، إنما انتخب المشرع رأيًا بين آراء عدة، استند كل منها إلى أدلة شرعية. أكنا إلى يومنا هذا فى غى، لن يصلح منه إلا صدور هذا القانون الذى إذا أقر بنصه هذا يصبح سابقًا على أى قانون وضعى صدر أو قيد الصدور؟ بل تجب مراجعة كل القوانين الوضعية كل مرة صدرت فتوى شرعية للتأكد من عدم مخالفة القوانين هذا الرأى الذى تعتمده الهيئة المختصة كفتوى شرعية.

أضم صوتى لصوت كل مصرى وطنى لأناشد فخامة رئيس الجمهورية أن يعيد مشروع قانون تنظيم الفتوى الشرعية للحوار المجتمعى، ولمزيد من الدراسة، لكى يلتزم بتنظيم إصدار الفتوى لا أن يتعدى تنظيمها لإعلاء شأنها على القوانين، وتفاديًا للإخلال بالوحدة الوطنية ولتأكيد ما جاء فى الدستور من مدنية الدولة.

الأنبا أنطونيوس عزيز

مطران الجيزة الشرفى للأقباط الكاثوليك

أستاذ الشريعة الإسلامية- كلية القانون المعهد الشرقى

جامعة الجريجوريانا الحبرية- روما
نقلا عن الدستور