هاني لبيب
مع اقتراب البدء فى الإعداد للانتخابات، تم الإعلان عن مشروع لتعديل قانون مجلس النواب ومشروع آخر لقانون مجلس الشيوخ، إلى جانب مشروع لإعادة تقسيم الدوائر الانتخابية. تأتى هذه التعديلات فى سياق السعى لتطوير الحياة السياسية وتعزيز التمثيل البرلمانى، وسط دعوات مجتمعية متكررة لتفعيل الحياة الحزبية، وتحقيق تمثيل عادل وفعال للمواطنين فى الانتخابات.

من أبرز ملامح التعديلات المقترحة فى مشروع تعديل قانون مجلس النواب، هو تعديل شكل النظام الانتخابى، ومع الإبقاء على النظام المختلط (الفردى والقوائم المغلقة)، مع توجه تعديل النسبة بينهما. وتعزيز تمثيل المرأة، والشباب، والأشخاص ذوى الإعاقة، والمصريين بالخارج.

ويستهدف المشروع تحقيق توازن عادل فى التمثيل النيابى بين مختلف المحافظات حسب الزيادات السكانية وتطور البنية الجغرافية، بحيث يتم دمج بعض الدوائر وتقسيم دوائر أخرى لضمان التوازن النسبى بين عدد السكان وعدد المقاعد. أما فيما يخص مشروع تعديل قانون مجلس الشيوخ، فهو يستهدف تفعيل دوره الاستشارى من خلال بحث آليات أكثر دقة لاختيار النواب سواء المعينين أو المنتخبين بالمزيد من تعزيز الشفافية فى أداء المجلس.

أرى فى تلك المشاريع الكثير من الإيجابيات أولها: تحقيق عدالة أكبر من خلال إعادة تقسيم الدوائر بالشكل الذى يساعد فى توزيع المقاعد بما يتناسب مع الكثافات السكانية، وهو ما يؤدى إلى تراجع التمييز الجغرافى ويدعم تمثيل المناطق المهمشة.

وثانيها: تعزيز المشاركة السياسية بتعديل القوانين بالشكل الذى يسهم فى مشاركة فئات متعددة من المجتمع فى العملية الانتخابية، مما يزيد من قاعدة المواطنين فى التمثيل البرلمانى.

وثالثها: تفعيل الحياة الحزبية بالتشجيع على مساندة الأحزاب السياسية عبر نظام القوائم، مما يفتح المجال أمام الأحزاب لتقديم برامج واضحة وتنافس فعلى بين المرجعيات السياسية والفكرية المتعددة والمختلفة.

ورابعها: زيادة الرقابة على الأداء البرلمانى من خلال تعديل آليات اختيار نواب مجلس الشيوخ، وتوضيح دور المجلس الاستشارى الذى يضم خبرات وكفاءات متنوعة تستطيع صناعة التشريعات.

أما الملاحظات التى يجب الالتفات إليها فى تنفيذ القانون، فيمكن تحديدها فى: هيمنة أحزاب محددة على القوائم المغلقة فى ظل ضعف الحياة الحزبية وتراجع التعددية الحقيقية فيها، وقد يؤدى هذا النظام إلى احتكار بعض الأحزاب للمقاعد، مما يخصم من فرص المستقلين والكفاءات غير المنتمية لأحزاب قوية. ثم تأتى مسألة تقسيم الدوائر، وغياب آلية واضحة ومعلنة لرسم الحدود الانتخابية، مما قد يثير الشكوك بشأن تحديد الدوائر بما يمكن استثماره من مرشحين بعينهم أو تيارات محددة.

وأخيراً، تهميش النواب من ذوى الخلفيات المهنية والكفاءة والاقتدار لأنه فى ظل تركيز التعديلات على التوازنات السياسية والجغرافية، قد يسقط تمثيل الكفاءات المهنية والأكاديمية، التى يمكن أن تسهم بشكل فعلى فى الارتقاء بالعمل البرلمانى.

يمكن تفادى كل ما سبق من خلال إتاحة الفرصة للكفاءات، وتدعيم الأحزاب المشاركة من خلال التمويل وضمان تقديم مرشحين قادرين على العمل التشريعى الحقيقى.

وافقت أمس الهيئة الوطنية للانتخابات على المشروعات المقدمة لتعديل القوانين السابقة المقدمة، كما وافقت اللجنة التشريعية بمجلس النواب نهائيًا على مشروعى تعديل قانون انتخابات مجلس النواب وتقسيم الدوائر الانتخابية. وهو ما يمثل فرصة مهمة لإعادة هندسة الحياة السياسية المصرية وهيكلتها، غير أنها لن تحدث الفارق المستهدف.. دون وجود خطوات موازية لتفعيل الحياة الحزبية بصورة حقيقية. إن نقطة ارتكاز الحياة البرلمانية أنها مقترنة بوجود أحزاب قوية، ذات برامج سياسية واضحة، وقواعد شعبية حقيقية. كما أن نجاح تلك التعديلات مشروط بوصول أصحاب الكفاءات سواء الحزبيين أو المستقلين إلى البرلمان.. بناء على قدراتهم وليس فقط على انتماءاتهم أو شعبيتهم، فغياب الكفاءة يؤدى إلى برلمان عاجز عن الرقابة أو التشريع بفعالية.

نقطة ومن أول السطر..
تعكس التعديلات المقترحة لقوانين مجلسى النواب والشيوخ مع مشروع تقسيم الدوائر.. توجه حقيقى لتطوير مشهد الحياة السياسية المصرية، ويتطلب نجاحها إرادة سياسية لخلق بيئة تنافسية حزبية نزيهة، وضمان تمثيل جميع المواطنين بعيداً عن الصراعات الشكلية الضيقة.
نقلا عن المصرى اليوم