خالد منتصر
قضية فلسفية كبرى.. هل الدين هو مصدر الأخلاق أم العقل؟.. فى كلمة واحدة حاسمة يحسمها فضيلة شيخ الأزهر لصالح الدين مهاجمًا العقل كمصدر أخلاقى، لأنه متغير وبشرى.
واسمح لى فضيلتك مع كامل الاحترام لشخصك، أن أقول إن تلك هى أسباب قوة مرجعية العقل، أنه متغير يحترم تغير الأزمنة والعصور، وبشرى يتعامل مع بشر لا ملائكة، ومجتمعات لا روبوتات أو يوتوبيات.
الدين ليس مصدر الأخلاق الوحيد، والعقيدة ليست منبع الضمير المتفرد يا فضيلة الشيخ، لعدة أسباب:
هناك دول بلا دين (سماوى) مثل اليابان، أو مساحة الدين عندها محدودة جدًا مثل السويد، والوازع الأخلاقى عندها قوى جدًا، والقيم الأخلاقية من صدق وعدل وعمل خير وتكافل... إلخ، راسخة أكثر من بلاد تصرخ بالطقوس الدينية، والضمير حاضر بقوة وبدون رقيب معمم أو شرطة نهى عن المنكر.
كثير من القيم الأخلاقية ومظاهر الضمير اليقظ موجودة بالفطرة حتى عند الأطفال والمجتمعات البدائية، بعرفون أن القتل خطيئة والسرقة سطو على حق آخر، وتتطور الأخلاق بتطور الزمن.
ما تطلقون عليه المجتمع الجاهلى، وأنا أسميه مجتمع أو عصر ما قبل الإسلام، كانت لديه قيم أخلاقية رفيعة، مثل المروءة والشهامة واحترام المواثيق والكرم وإغاثة الجار... إلخ، ولم يكن عاريًا من الأخلاق كما يصوره البعض.
القيم الأخلاقية فى أحيان كثيرة متغيرة، وما كان أخلاقيًا فى الماضى من الممكن جدًا ألا يكون أخلاقيًا فى الحاضر، ومن الوارد أن يتغير فى المستقبل، أمثلة:
الرق كان فى الماضى أخلاقيًا ومقبولًا دينيًا بل وله تشريعات، ومثله سبى النساء والدخول بهن وتوزيعهن كغنائم، ونظام الجوارى اللاتى من العادى والأخلاقى أن يمارس سيدها الجنس معها رغمًا عنها ويبيعها ويتفحصها فى السوق... إلخ، بدون أى شعور بالذنب، اليوم فى نظامنا الأخلاقى المعاصر هذه جرائم وحشية.
الجزية قديمًا كانت أخلاقية ومشرعنة وواجبة وفريضة على أصحاب الدين المخالف، الآن فى النظام الأخلاقى الحديث هى تصرف عنصرى غير مقبول.
حد الردة كان من ضمن المنظومة الأخلاقية، هو لا يتناسب أخلاقيًا الآن مع حرية العقيدة، وأيضًا العقوبات الجسدية كالرجم والجلد وقطع اليد.. إلخ، تُدان الآن طبقًا للمنظومة الأخلاقية الحديثة.
وضع المرأة والنظر إليها والتعامل معها ككائن أدنى فى كثير من التشريعات والآراء الدينية غير مقبول أخلاقيًا الآن، يحكم التعامل معها مبدأ المساواة.
الحكم الأخلاقى الذى نتفرد به كمسلمين للمجتمعات الغربية أو غير المتدينة، وإدانتها من خلال الخمر وزِى المرأة وحرية العلاقات، والتى نعتبرها ترمومتر الحرارة الأخلاقية الوحيد، وميكروسكوب فحصنا لمستوى الأخلاق عندهم، هى أحكام تخصنا فقط ولا تعنى إطلاقًا أن تلك المجتمعات المعتمدة على عقلها كمصدر أخلاقى هى مجتمعات بلا أخلاق، فنحن ننظر إلى تلك المسائل فقط، ونتناسى ونتجاهل احترامهم للنظام وعدم الكذب واعتباره أكبر الجرائم، تعاملهم مع الطفل وكبير السن بكل تبجيل، واحترام حرية الرأى والتفكير... إلخ.
مختلف مع هذا الطرح كما اختلفت مع طرح الداعية الذى أكد أنه لولا الإسلام لنكحنا أمهاتنا!!، وكما اختلفت مع الشيخ الذى وصف العقل بالحمار الذى ما إن نصل إلى باب البيت فعلينا ربطه.
كل التحية لفضيلتكم، ومازال العقل عندى هو طوق نجاة وبر أمان لوطن يريد صناعة مستقبل يجد فيه مكانًا فى المقدمة لا أن ينزوى مهملًا فى الظل.
نقلا عن المصرى اليوم