(د. أشرف ناجح إبراهيم عبد الملاك)
في الـ3 من شهر يونيو/حزيران لعام 2024، قد رحل عن عالَمنا واحدٌ من أشهر علماء اللّاهوت البروتستانت المعاصرين "يُرْغِن مُولتمانّ"، عن عمر ناهز الـ98 عامًا. وهو ألمانيّ الجنسيّة، وقسٌّ بروتستانتيّ، وأستاذٌ جامعيّ؛ ومعروف جدًّا خارج حدود موطنه الأصليّ "ألمانيا" أيضًا، وفي الأوساط المسيحيّة بجميع طوائفها، بفضل مؤلّفاته الغزيرة والعميقة والمجدّدة، ولا سيّما كتابه الأوّل "ثيولوجيا الرّجاء" (1964)، وكتابه المكمّل لهذا "الإله المصلوب" (1972). يُعدّ كتابه "ثيولوجيا الرّجاء" ردًّا ثيولوجيًّا على مُؤلَّفٍ للفيلسوف الملحد "إرنست بلوخ" بعنوان "مبدأ الرّجاء"، وبمثابة حوار فلسفيّ وكتابيّ وثيولوجيّ مع فكره. وأمّا كتابه "الإله المصلوب" فهو محاولة للعثور على إجابة لقضية "أوشفيتز"، ومعضلة "الألم" عامّة.
بلا شكّ، للحديث عن فكر مُولتمانّ الثّيولوجيّ بشكل عامّ (ثيولوجيا الرّجاء، الخلق، الصّلب، الثّالوث، المسيح، الكنيسة، الإسكاتولوجيا، الجانب السّياسيّ من علم اللّاهوت، الإيكولوجيا،... إلخ)، لا يكفي هذا المنشور المقتضب. ومن جهة أخرى، قد تعرّضتُ لفكره الإسكاتولوجيّ في مقالة «وجود "جَهنَّم" وأبديّتها بين مُعارضين ومُؤيِّدين»، التي نُشِرت في مجلة "صديق الكاهن"، السّنة الثّانية والسّتون، العدد الرّابع (أكتوبر/تشرين الأول) لعام 2022. ولكنّني في هذا المنشور سأكتفي بتقديم بعض عبارات مُولتمانّ الهامّة حول الرّجاء والإسكاتولجيا المسيحيّة و"الدّيْنونة الأخيرة"، التي سجلّها في كتابه المعروف "مجيء-ظهور الله"؛ وقد ترجمتُها عن اللّغة الإيطاليّة.
- «لا تكمن الإسكاتولوجيا المسيحيّة إطلاقًا في تلك "الحلول النّهائيّة" ذات الطّابع الأبُوكَلِبتيّ [أو الرؤيويّ]، إذ إنَّ موضوعها ليس"النّهاية"، وإنَّما بالحرىّ إعادة خَلْق كلّ الأشياء مِن جديد. فالإسكاتولوجيا المسيحيّة هي الرّجاء الّذي يُذكِّرنا بقيامة المسيح المصلوب؛ وبالتّالي، فهي تتحدّث عن البداية الجديدة عند النّهاية الّتي هي الموت».
- «الواقعُ النّهائيُّ هو إذًا ملكوته [ملكوت الله] ومُصالحة الأشياء جميعًا. فكما أنَّ الخطيئة لا تأتي "أوّلًا"، لأنَّ البركة هي الّتي حلّت في البدء على الخلق كلّه، هكذا وعلى هذا النّحو، لا ينبغي أنْ تأتي الدّيْنونة في "النّهاية"، فسوف تحلّ البركة النّهائيّة والحاسمة على الخلق الجديد، إذ يسكن العدل والبرّ».
- «لن يكون العدلُ الجزائيّ، المتعلِّق بإعطاء كلّ واحد ما له (المُشرِّع الرّومانيّ "اولبينو")، هو الذي يجازي الأشرار بالشّرّ والأبرار بالخير، وإنَّما بالحرىّ سيكون عدل إله إبراهيم وأبي يسوع المسيح، وهو العدل الّذي يصنع حقوقًا ويُعيد الإصلاح ويبرّر [...] إنَّ ما يُطلَق عليه "الدّيْنونة الأخيرة"، لن يكون شيئًا آخر إلَّا الظّهور الكونيّ العامّ ليسوع المسيح واكتمال عمله الفدائيّ. ففي "الدّيْنونة" الّتي سيقوم بها المسيح المصلوب لن تُطبَّق العقوبات الخاصّة بأيّ قانون جنائيّ. فلن تكون هناك تهديدات بعقاب الموت الأبديّ».