عادل نعمان
وليس هناك من بداية تكشف الستار عن هذه الادعاءات، كما جاء على لسان عميد الأدب العربى عن هذه الأكذوبة التاريخية عند «استنطاق الجن» ليؤكد لنا كيف تم اختلاق عالم للجن مواز لعالم الإنس، وإن كانت هذه الثقافة وهذا الاختلاق مقبولًا تاريخيًا بصورة من الصور فليس من المقبول استمرارها على نفس النحو بعد الرسالة، وكان المقصد كما جاء (كما كان هناك لون آخر من الشعر المنحول «المكذوب» نُسب إلى الجاهليين عن عرب الجن، فالأمة العربية لم تكن أمة من الإنس فقط، وإنما كانت هناك أمة أخرى من الجن، تحيا حياة الأمة الإنسية، وكانت تقول الشعر- وأنطقوا - الجن بضروب من الشعر وفنون من السجع، ووضعوا على النبى نفسه أحاديث لم يكن بد منها، لتأويل آيات القرآن على النحو الذى يريدونه ويقصدون إليه) انتهى. يؤكد العميد أن هذا الاختلاق وهذا الاختراع كان لتثبيت وترسيخ لفكرة النبوة.

والغريب أنهم يتوسعون فى أمر الجن ونفوذه كلما بلغ العلم مبلغه، وكشف أسرارًا كانت منتسبة ومنحولة ومكذوبة جهلًا لنفوذ وهيمنة الجن، وكان من المعقول أن تنكمش وتتلاشى، إلا أن هذا «الكيد والغيظ» والحفاظ على المنافع التاريخية، حرّضهم وشجعهم على تأكيد وجوده بمجموعة من الفتاوى لا أتصور أن يصدقها مبتدعو ومخترعو هذا الفن، والأغرب لم نسمع منهم يومًا مناشدة للجن أن يقوم مقامنا فى الزراعة أو الصناعة أو حراسة المنشآت أو يرفع عنا بعضًا مما نعانيه، أو يسرق لنا أموالًا من بلاد الكفرة، وهو خبير كما أكدوا فى سرقة الأموال، ويصبها صبًا فى خزينة الدولة المديونة والتى لا ينقطع عنها الأذان أو الدعاء.

والجن قام بأول اغتيال سياسى فى تاريخنا الإسلامى، ولما عجزوا فى القبض عليه أو تهربوا من القبض على الفاعل الأصلى قيدوا القضية ضد «مجهول من الجن» وهى قصة الجن وسعد بن عبادة، وصدق الناس أن الجن تتبعت سعد بن عبادة سيد الخزرج والذى فاز بخلافة الأنصار فى سقيفة بن ساعدة، ولما حسم الأمر إلى أبوبكر ومن بعده عمر قرر الهجرة إلى الشام حتى تمكنت منه وقتلته وهو يبول واقفًا، وليس فى هذا غرابة إلا أن الغريب أن ينشد الجن شعرًا فى هذا، ويشكك طه حسين، فى كتابه «فى الشعر الجاهلى» فى قتل الجن لسعد بن عبادة ويقول تحت عنوان «الدين وانتحال الشعر»: «اتخذت السياسة الجن أداة من أدواتها وأنطقتها بالشعر فى العصر الإسلامى، فى قتل سعد بن عبادة، ذلك الأنصارى الذى أبى أن يذعن بالخلافة لقريش، فتحدثوا أن الجن قتله، وهم لم يكتفوا بهذا الحديث، وإنما رووا شعرًا قالته الجن تفتخر فيه بقتل سعد». (قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة.. رميناه بسهمين فلم نخطئ فؤاده).

من هنا، وتأكيدًا لهذه الأسطورة وتصديقًا لما جاءنا من الأوائل، كان على المشايخ والأئمة الإسراع فى تأكيد هذا العالم الموازى والتثبيت له حتى نرفع عن كاهلهم مقتل سعد ونرميه رميًا على أكتاف الجن، حتى لو رفض العقل واتهمنا بالخرف، ونزلت علينا فتاوى الجن كالسيل، ولم نره يومًا ولم يقترب منا ساعة، إلا أنهم أصروا على أنه يعيش بيننا وبين ظهرانينا.

وهذا أبوهريرة يؤكد سرقة الجن لتمر الصدقات، وهى قصة أرجو أن تعودوا إليها، وهى أساس الفتوى رقم: 41750، بيان عدم جواز الاستعانة بالجن ولو فى الأمور المباحة. أما سرقة الجن للأشياء، فهو أمر محتمل، وقد ثبت سرقة الجن من تمر الصدقة؛ كما فى حديث أبى هريرة عند البخارى، وقد سبق هذا فى الفتوى رقم: 37885.

وتعالَ نسرق معًا ونلفق الأمر لجنى ونحتكم لما أفتى به الدكتور / محمد أبوبكر من علماء الأزهر (إن الجن كما يقتل، فهو يسرق أيضًا الأموال والذهب والأمتعة، وذلك ثابت فى حديث «أبو هريرة» حيث كان الجن يسرق «طعام الصدقة»)، وأكد فضيلته أن الأمر حدث فى بيته ذاته، وأن الجن سرقوا أمواله وبعض أمتعته.

والشيخ محمد حمودة يصدق على هذا ويؤكد أن الجن يسكن معنا فى كل البيوت، ويقتل ويسرق ويحرق البيوت، ولذا فهو يُنبه النساء ألا يغضبن الجن، كغسل المواعين بالماء الساخن، أو رفع الصوت أو الصراخ، لأن الجن رقيق بطبعه ويتأذى من الماء الساخن والصوت العالى، ويشير فضيلته أن أهم مظاهر غضب الجن.. أن يُغرق لهن الملابس على منشر الغسيل بالدم، أو يجعل كل من فى البيت يتشاجرون، ويؤكد حمودة أن كل بيت بداخله جن يسمى «العمار» بضم العين، وفى بعض الأحيان نصطدم بهم من شقاوتهم وإذا حدث هذا الاصطدام ينتج عنه ما يسمى «مس الجن».

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية فى الفتاوى: الكلب الأسود شيطان الكلاب، والجن تتصور بصورته كثيرًا، وكذلك بصورة القط الأسود، لأن السواد أجمع للقوى الشيطانية من غيره، وفيه قوة الحرارة.

وقد يتصور الجن أحيانًا بشكل بنى آدم، كما فى حديث البخارى فى قصة السارق الذى قبض عليه أبو هريرة ثلاث مرات ثم أطلق سراحه (الملاحظ أن حكاية أبوهريرة عمود كل الفتاوى، وهى إخباريات موضوعة).

وطعام الجن كما جاء على لسان الشيخ الزغبى وبأسانيد: يأكلون العظام وبقايا الطعام، ويشاركون الناس فى طعامهم إذا تيسر لهم دخول بيوت الناس، ولم يسم الناس عند الطعام، وقد أفتى الشيخ الزغبى بجواز أكل لحوم الجن، وللشيخ أقول: دلنا يا سيدى كيف نصطاد الجن ونذبحه ونأكله، وفى هذا وفر عظيم، وسد للفجوة الغذائية نحتاج إليه. ولو علم أبو هريرة أن حكايته التى (من جعبته) سوف تكون سندًا للمسلمين ومرجعًا لسرقة الجن ومأكله ومشربه، ما قالها، وما تشدق بها، وما صدقها عن نفسه.

الدولة المدنية هى الحل.
نقلا عن المصرى اليوم