الأب رفيق جريش
من المألوف جدا أن نرى خراطيم المياه في الشوارع تسقى الأسفلت وبلاط الأرصفة، ومن المألوف أيضا أن نرى مواسير العمارات يسيل منها الماء، ومن المألوف أن نهدر داخل مساكنا مياه الشرب أو الصرف الصحى، ولا نقوم بالصيانات اللازمة لها.. خلاصة القول علينا أن نعترف أننا، بسلوكنا، نهدر أغلى ما نملك وهو مياه النيل، لذلك جاء الوقت أن نصحو من غفلتنا، ونصحح عاداتنا وسلوكنا حتى تتواءم مع أزمة المياه وندرتها وأحد التحديات الكبرى التي تواجهها مصر حاليا هو ندرة الماء، ونظرًا لثبات حصة مصر من مياه نهر النيل ومحدودية مياه الأمطار والمياه الجوفية فإن القيادة السياسية تولى اهتماماً غير مسبوق لقضية الأمن المائى، وهذه الرؤية تتم من خلال وضع بنية تشريعية جديدة متماسكة وعصرية وعلمية تحل محل القوانين واللوائح القديمة التي باتت غير قادرة على مواكبة التطورات الجديدة لقضايا الماء، وفى هذا السياق جاءت موافقة مجلس النواب على مواد مشروع القانون الجديد لتنظيم مرفق مياه الشرب والصرف الصحى الذي قدمته الحكومة لمجلس النواب.
ولا ننسى أن هناك دولة تتحكم بسد النهضة الذي بنته في كمية المياه التي تتدفق إلى السودان ومصر مما خلق أزمة سياسية بجانب الأزمات الزراعية والاقتصادية الأخرى المترتبة عليها، لذا علينا أن نأخذ، نحن كمواطنين، الموضوع بكل جدية وحسم ونطبق القانون لمواجهة هذه الأزمات الآتية علينا.
يأتى القانون الجديد في إطار الاستراتيجية الوطنية الشاملة للحفاظ على الماء، وذلك من خلال منظومة تشريعية ملزمة وواضحة المعالم، لا تكتفى فقط بالمحافظة على ما هو موجود الآن، وإنما بتطوير المرفق في المستقبل، باعتباره من أهم القطاعات الحيوية للمواطن وللوطن، ويعرف المتخصصون في التشريع أن الدستور المصرى في المادة ٤٤ نص على ضرورة ترشيد الاستفادة من ماء النيل وتعظيم هذا الماء وعدم تلويثه أو هدره، وهو الأمر الذي ينطبق أيضا على مياهنا الجوفية وكل مصدر يأتينا منه الماء، رغم أن الحق في ماء الشرب الصالح والنظيف وفى الغذاء الصحى الكافى هو حق أصيل في الدستور، في مادته التاسعة والسبعين. وبطبيعة الحال فإن أحد أهداف القانون الجديد لمرفق المياه توحيد جهود المؤسسات والوزارات والهيئات المتعاملة مع الماء، كما أن هدفا آخر في غاية الأهمية من القانون هو إدخال القطاع الخاص في المشاركة في هذا المرفق بمقتضى قواعد محددة وصارمة، حفاظا على مصالح المواطن البسيط، وضمن خطة الحكومة الرشيدة للمرفق، حيث إن الماء سيكون أغلى من البترول والغاز.
ويقول المتخصصون إن الحرب القادمة ستكون حربا على المياه، وقد بدأت إرهاصاتها في دول شقيقة مجاورة، ولذلك فإن القانون الجديد تضمن مواد لتحقيق الحزم مع استهلاك المياه، مع حماية حقوق المستهلكين ومنع التعديات على شبكات المياه والصرف الصحى. وسيتم قريبا إنشاء جهاز مستقل مهمته الرقابة والترخيص، ووضع المعايير لضمان كفاءة الخدمة ومنع الممارسات الاحتكارية مع ضمان تكافؤ الفرص وكما نص القانون، الذي أقره مجلس النواب، فإن استخدام التقنيات الحديثة سيكون إلزاميا، ليس فقط لمنع الهدر، حفاظا على البيئة وصحة المواطن وتوزيع المياه بطريقة عادلة على الجميع.
نقلا عن المصرى اليوم