د. وسيم السيسي
رحلة ممتعة فى مذكرات المهندس صلاح دياب «هذا أنا» وصلت للفصل العاشر، فإذا به أروع وأنجح مشاريعه على الإطلاق.. الأسرة!. نجح فى اختيار الزوجة، كما نجحت هى فى اختياره، المهندسة عنايات.. القبضة الحديدية فى قفاز حريرى، استطاعت أن تروض هذا الغزال الشارد الذى لم يستطع أحد ترويضه، حبها الغامر للإنسان الذى جعلها تشفق على إنسانة قست عليها الحياة، فأهدتها شقة وفرشتها لها، واعتبرتها ماضيًا وذهب لحاله من تاريخ الغزال الشارد وشقاوته. لكل إنسان نصيب من اسمه، واسمها عنايات وهى جمع من العناية الإلهية.

اشترك الزوجان فى تربية الأبناء، عرفا أن الوفرة بدون حكمة تصبح ندرة، فكان العطاء يقابله جهد مقابل، اذهب للمزرعة يا توفيق «الابن» وأنا أزيد مصروفك من ثلاثة جنيهات إلى خمسين بدلاً من خمسة!.

فى تجارب إريك هولمز Experimental Ecology أو التجار العلمية البيئية على الذكاء والمثابرة والقدرة على حل المشاكل، كانت التجربة على مائة فأر وفر لها كل أسباب الراحة فى الحصول على الطعام، ومائة فأر كانت تعانى عناًء شديدًا فى الحصول على قطعة جبن أو خبز أو سكر، وبعد سنة قارن بين وزن المادة السمراء graymatter فى أمخاخ المجموعتين الأولى والثانية، فوجد أنها الضعف فى المجموعة الثانية، فخرج بنتيجة أن الصعوبات ضرورة فى تربية الأبناء، وأن أسوأ أنواع الحرمان فى التربية هو الحرمان من الحرمان نفسه!!.

ملحوظة: المادة السمراء هى مادة الذكاء فى المخ.

صلاح دياب رجل، وعى وسمع وقرأ وجرب، جاب الحياة من أولها لآخرها، ذاق حلوها ومرها، ذاق حلوها فى عودة الثقة إلى ذاته بعد أن أنجز فى ١٦ يومًا ما كان مفروضاً له ثلاثة أشهر ونصف، حلوها فى سيارات بولونيا، ولابوار، والبترول، ومرها فى السجن أكثر من مرة، ومشاريع فشلت لم يعلن عنها، وهجوم البعض عليه، ولكنه الآن بروح التسامح أصبح لا ينقم على أحد، يعيش مفكرًا متأملًا، شعاره: أولادى وأحفادى، يهمنى ما سأتركه فيهم، لا ما سأتركه لهم، وكأنه يردد شعار جورج برنارد شو: مهما جمعنا من مال، فلن نأخذ منه أكثر من ثلاث وجبات، وسرير واحد، وما زاد عن ذلك فهو أرقام فى البنوك للورثة!، ولكنه سعيد ذلك الإنسان الذى يستمد سعادة من عمله، هذا هو العائد الوحيد عليه.

صلاح دياب، فرق بين الغنى وصاحب المال، فالغنى هو من كان غنيًا حتى عن المال نفسه، أما صاحب المال فهو صاحب مال فقط، كذلك توصل إلى أن العدالة الإلهية فى الأساسيات مثل متوسط الأعمار، الماء، الهواء، بين الناس جميعًا، أما الغنى فهو يتمتع بأوهام يستخدمها فى التنقل أو الزعامة لتظل الأساسيات متساوية أولًا وأخيرًا.

هذا الغزال الشارد الذى بلغ العشرين أربع مرات، لم يكتف بما كان من شطحاته التى كادت أن تفقده إنسانة رائعة بتخلفه عن أول موعد ثلاث ساعات، والتهامه خمسة سندوتشات من ستة فى مشاهدة فيلم سينمائى أثناء التعارف، وإرسالها فى تاكسى دون الاطمئنان على أجرة التاكسى معها، وأخيرًا كل هذا فى كوم، والكوم القادم يجعلك تقول إنه مختلف حقًا، يريد أن ينال براءة اختراع وإدخال شطافات الحمامات إلى أوروبا وأمريكا!!.
نقلا عن المصرى اليوم