بقلم شكري بسطوروس – لوس انجيليوس

اضواء على الزواج المسيحي
تحتفل الكنيسة القبطية بعيد عرس قانا الجليل يوم 13 طوبه الذي يوافق 21 يناير، اي بعد عيد الغطاس بيومين.

في حفل زفاف بقرية صغيرة تسمى قانا الجليل اجرى السيد المسيح أولى معجزاته الكرازية، حيث حول الماء إلى خمر (يوحنا 2: 1 -11). فلماذا كانت اولى معجزاته في حفل زفاف؟!

 بعد هذه المعجزة بما يزيد عن سنتين تحدث السيد المسيح عن شريعة الزواج المسيحي في (متى 19: 3-11)، فأستصعبها التلاميذ لدرجة ان "قال له تلاميذه: إن كان هكذا امر الرجل مع المرأة فلا يوافق ان يُتزوج!" (متى 19: 10) والسؤال: لماذا استصعب التلاميذ حديث المسيح له المجد عن شريعة الزواج في المسيحية رغم ان الرب يسوع اصّلّها (بتشديد الصاد واللام) موضحاً انها قصد الله للبشرية منذ ابوينا الاولين؟ لماذا صُدم التلاميذ من قول المسيح: "أما قرأتم أن الذي خلق من البدء خلقهما ذكرا وأنثى، وقال: من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته، ويكون الاثنان جسدا واحدا إذا ليسا بعد اثنين بل جسد واحد. فالذي جمعه الله لا يفرقه إنسان."؟ (متى 19: 4 - 6) وإذا كان الحال هكذا منذ ايام التلاميذ، فهل يستقيم الزواج المسيحي بشريعته ومبادئه ومفاهيمه وقيمه مع الطبيعة الانسانية ومع ظروف الحياة المعاصرة؟

في هذه الايام يدور صراع قانوني وجدل اعلامي حول حق الشواذ في الزواج بما في ذلك حقهم في الزواج الكنسي هنا في امريكا! بينما في مصر يدور صراع وجدل اخر حول احقية المطلقين المسيحيين في زواج ثاني، مما يجعل لكلا القضيتين تداعيات دينية واجتماعية حاضراً ومستقبلاً. لكننا لاحظنا أنه في اغلب الاحوال يتم تناول هذه الموضوعات من وجهات نظر أما قانونية أو مرتبطة بالحريات دون العودة إلى اصول ومبادئ الزواج المسيحي، وهو ما سنحاوله في السطور التالية.

 واضح من تعليم السيد المسيح والكتاب المقدس عموماً ان الزواج المسيحي له اسسه ومنطلقاته واهدافه وطبيعته التي تختلف عما للزواج في الديانات الاخرى أو عن الزواج المدني بكافة اشكاله.

أول هذه الاسس هو الاساس الإلهي. فنحن نؤمن أن الله هو الذي وضع وبارك نظام الزواج منذ بدء الخليقة، "فخلق الله الانسان على صورته، على صورة الله خلقه ذكرا وانثى خلقهم. وباركهم الله وقال لهم اثمروا واكثروا واملاوا الارض..." (تكوين 27:1 ،28) وهو القائل:"ليس جيداً أن يكون آدم وحده. فأصنع له معيناً نظيره." (تكوين 2: 18)

نؤمن أيضاً أن الله الذي حضر عرس قانا الجليل منذ نحو 2000 عاماً هو حاضر دائماَ بصورة سرية في الزواج المسيحي لذلك تسميه كنيستنا سر الزيجة. فهو حاضر بروحه القدس لكي يقدس ويهب بركاته المتنوعة للعروسين. لذلك نجد ان الكنيسة تطلب من الله في صلوات الاكليل ان يقدس العروسين ويوحدهما ويملأهما بالمحبة بفعل روحه القدوس. بعدها يستلم الزوج زوجته من امام مذبح الكنيسة وكأنه يستلمها من يد الله على مثال استلام ادم لحواء في جنة عدن حين أخذ الله ضلعاً من آدم "وبنى الرب الاله الضلع التي اخذها من ادم امراة واحضرها الى ادم." (تكوين 2: 21، 22)

الاساس الثاني هو احادية الشريك واختلافه جنسه. فالزواج المسيحي مبني على اتحاد شريكين مختلفين في الجنس، أمرأة واحدة لرجل واحد ورجل واحد لأمرأة واحدة. هذا الاتحاد غير قابل للانفصال او اضافة شريك اخر. فـ "من بدء الخليقة ذكرا وانثى خلقهما الله. من اجل هذا يترك الرجل اباه وامه ويلتصق بامراته. ويكون الاثنان جسدا واحدا (= كياناً واحداً) اذاً ليسا بعد اثنين بل جسد واحد.  فالذي جمعه الله لا يفرقه انسان." (مرقس 10: 6 - 9)

مما سبق نجد أنه لا وجود لزواج مثيليين في المسيحية بل هناك تحريم وإدانة واضحان للعلاقات المثلية في الكتاب المقدس بعهديه مثلها مثل الزنا، تهلك مرتكبيها وتحرمهم من الحياة الابدية. ( راجع: كورنثوس الاولى 6: 9 & التثنية 23: 17& تيموثاوس الاولى 1: 9، 10 & لاويين 18: 22 ).
 
الاساس الثالث هو الاتحاد الكامل الدائم غير القابل للانفصال بين الزوجين. كعلاقة المسيح بالكنيسة  التي شبهها الوحي الالهي بعلاقة الرأس بالجسد "لأن الرجل هو رأس المرأة كما أن المسيح أيضا رأس الكنيسة، وهو مخلص الجسد." (أفسس 5 :23) وبما ان علاقة المسيح بالكنيسة هي علاقة ابدية خارجة عن نطاق الزمن، هكذا علاقة الزوجين تكون دائمة لا تقبل الانفصال، كعلاقة الرأس بالجسد، فلا غني للرأس عن الجسد ولا للجسد عن الرأس وإلا فالفناء. كما لا تقبل العلاقة دخول طرف اخر إذ لا يمكن ان يكون لرأس جسدين او لجسد رأسين.

إن حضور الله في سر الزيجة يعطي الزوجين هذه الوحدة الدائمة بالروح القدس، أي يوحد كل من الزوج والزوجة ليصبحا شخصاً واحداً. (تكوين 2: 23 ، 24 & أفسس 5: 28 – 33) هذا عمل الروح القدس داخل الزوجين على مستوى سري. ومن هنا نجد أن الزواج المسيحي ليس علاقة بين طرفين (الزوج والزوجة) بل بين ثلاثة أطراف (الله والزوج والزوجة).

لذلك يحتاج الزواج المسيحي إلى نعمة إلهية تسنده وتقوي دعائمه، إنها نعمة الروح القدس. لذلك كان رد السيد المسيح على سؤال التلاميذ: "فقال لهم ليس الجميع يقبلون هذا الكلام بل الذين أُعطي (بضم الالف وتسكين العين) لهم." (متى 19 :11) لذلك يرفض الكتاب المقدس الزواج بغير المؤمنين او الزواج المدني، إذ يحرم الزوجين من عمل نعمة الروح القدس في هذه الحالة: "المرأة مرتبطة بالناموس ما دام رجلها حيا. ولكن إن مات رجلها، فهي حرة لكي تتزوج بمن تريد، في الرب فقط." (كورنثوس الاولى 7: 39)

الأساس الرابع هو المحبة (الأغابي):   
يسأل البعض: كيف تصمد الوحدة بين الزوجين لتكون دائمة رغم تغير الزوجين والاحوال بمرور الزمن؟ كيف لا يتسرب إليهما الملل أو الضجر  أو الرغبة في  التغيير والتجديد؟ عن هذا قال احدهم ساخراً: اذا رأيت رجلا يفتح باب السيارة لزوجته، فاعلم ان احدهما جديدا السيارة او الزوجة! بينما سخر اخر قائلاً: اسعد سيدة هي التي تتزوج عالم اثار فكلما تقدمت في السن زاد تقديره لها. بل دخل ثالث إلى العمق متسائلاً بمرارة: عندما يتزوج اثنان فانهما يصبحان واحداً، لكن المشكلة تكمن فيمن سيكون هذا الواحد؟ في حين يسأل كثيرون بجدية: لماذا ينجح الروح القدس في ان يوحد زوجين بينما يفشل مع اخرين؟
ان واسطة الروح القدس في تحقيق الوحدة بين الزوجين هي الحب! فحضور السيد المسيح نفسه في صميم الحب الزيجي بروحه القدوس هو اساس هذه الوحدة المتجددة. بعبارة اخرى يمكن تحقيق هذه الوحدة بين الزوجين بتجديد السيد المسيح الدائم للقلب البشري بمحبته الإلهية المعطاة لنا مجانا من خلال جهادنا اليومي في الحياة معه وبه وله. اذن ان هناك دوراً بشرياً لابد من القيام به حتى يتمكن الروح القدس من تكميل وتعميق هذه الوحدة وبالتالي يختبر الزوجين معاً هذه الهبة المجانية: "ونحن قد عرفنا وصدقنا المحبة التي لله فينا. الله محبة، ومن يثبت في المحبة، يثبت في الله والله فيه" (يوحنا الاولى 4: 16).
هذا الحب الذى يهدف الى التحول الوحدوى بين الزوجين، هو - فى نفس الوقت - ينتظر المشاركة الانسانية والاستعداد للتغير كل بما يرضى الطرف الاخر: " أما المتزوج فيهتم في ما للعالم كيف يرضي امرأته ... وأما المتزوجة فتهتم في ما للعالم كيف ترضي رجلها. " ( كورنثوس الاولى 7 :33 - 34 )
المحبة الممنوحة لنا من الله والعاملة في سر الزيجة لا شأن لها بالمحبة الشهوانية "الايروس" كمحبة امنون لثامار (راجع صموئيل الاول 13)  ولا هي المحبة القائمة على المشاعر الانسانية "فيليا" ( متى 5: 43) بل هي محبة ذات مصدر إلهي لذلك تكون اكثر عمقا واطول عمرا واجدى نفعا. انها المحبة التي تسمى"الاغابي" والتي تظهر في شكل اعمال محبة. (كورنثوس الاولى 13: 4- 8).

فالمحبة الذي يقوم عليها الزواج المسيحى هو من نفس نوع محبة الله التي تنسكب في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا (رومية 5: 5) أي هي نفس المحبة التي أحبنا بها السيد المسيح (أفسس 5: 25 – 26) وتتميز هذه المحبة بإنها :
أ) محبة باذلة مضحية حتى الموت                     
ب) محبة مجانية غير مشروطة بلا غرض ولا عوض
جـ) محبة تلتمس الآخر وتخطب شخصه وقلبه لا صفاته او ما لديه      
د) محبة وفية دائمة لا رجوع عنها
أي أن البيت المسيحي مؤسس على محبة المسيح للكنيسة التي احبها وهي في خطيئتها وغيها ولكنه احبها حتى الموت موت الصليب لكي يخلصها. هكذا الزواج المسيحي مؤسس على البذل والتضحية الدائمين بين الزوجين، تضحية بلا حساب او انتظار للرد كتضحية السيد المسيح. لذلك فإن أيقونة البيت المسيحي هي الصليب الذي من خلاله نصل إلى القيامة فـ "إن كنا نتألم معه لكي نتمجد أيضا معه" (رومية 8: 17)
هذه لمحة عن الاسس الروحية للزواج المسيحي. ولنا عودة لإستكمال الموضوع في مقال قادم ان احيانا الرب وعشنا. وكل عام وانتم بخير.