الأب جون جبرائيل الدومنيكانيّ
يتعامل البعض مع النبوّات وكأنّ المسيح ممثّلٌ على مسرح، يتحرّك ويتكلّم ليُثبت، جملةً بجملة، أنه هو الموعود. لكن هذه نظرة تبسيطيّة وطفوليّة لا تعلّم بها الكنيسة، بل تسكن فقط في المخيّلة الشعبيّة.

الإيمان المسيحيّ يقدّم قراءة أعمق للنبوّات، تتجاوز الحرفيّة إلى إعلان الله الحيّ في التاريخ.

📖 كيف تفهم الكنيسة النبوّات؟
كل نبوّة في الكتاب المقدّس لها شقّان متكاملان:
 ١. الشقّ التاريخي:

النبوّة وُجِّهت في سياق معيّن، لشعب معيّن، في لحظة معيّنة من التاريخ.
فهي ليست "خريطة تنبّؤات دقيقة للمستقبل"، بل كلمة الله للواقع الحاليّ.

مثال:
في أشعيا 7 :14 يقول النبيّ للملك آحاز: «ها إنّ العذراء تحبل وتلد ابنًا وتدعو اسمه عمانوئيل».

لكن الكلمة العبرية المستخدمة هي: عَلمَه (עַלְמָה)، أي "شابّة أو فتاة"،

وليست "بِتولَه" (בְּתוּלָה)، التي تعني "عذراء" بالمعنى البيولوجي.

إذًا، النبوة كانت تشير إلى علامة قريبة، في زمن الملك آحاز، وليست إعلانًا مباشرًا عن تجسّد المسيح بعد 800 سنة.

٢. الشقّ المسياني (المسيحانيّ) – الروحي (في نور المسيح):
عندما تُرجِم النص إلى اليونانية في السبعينية، استُخدِمت كلمة παρθένος (پارثينوس)، أي "عذراء". ومن هنا قرأت الكنيسة الأولى هذه النبوة على أنّها تجلٍّ سرّي لسرّ المسيح، الذي هو "الله معنا" "عمانوئيل"بحقّ.

يسوع لا يطبّق النبوات حرفيًّا، وكأنها خريطة يسير عليها، بل يكشف معناها النهائي، إذ هو تمام قصد الله، وبه تُفهم الكلمة بملئها.

 كما يقول التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية (رقم ١٢٨-١٤١) ما معناه أنّ
العهد الجديد مستتر في العهد القديم، والعهد القديم مُعلَن في العهد الجديد.

 النبوّة ليست سيناريو محفوظًا، بل نبتة زرعها الله في التاريخ، ونَمَت حتى أثمرت في المسيح.

النبوّات ليست لُعبة توقّعات، بل عهود إلهية حيّة. نقرأها بإيمان راشد، لا بعين حرفيّة… ونكتشف معناها في يسوع الحيّ، لا في الحرف الجامد.
الأب جون جبرائيل الدومنيكانيّ