بقلم: هاني صبري – الخبير القانوني والمحامي بالنقض
يُعد نظام عقد البوت (B.O.T) أحد أهم الأدوات الاستثمارية الحديثة التي تعتمدها الدول لتنفيذ مشاريع البنية التحتية وغيرها من المشروعات الكبرى، حيث يجسد نموذجًا متميزًا للشراكة بين القطاعين العام والخاص. ويتضمن هذا النظام التعاقد مع شركات خاصة لإنشاء مشروع عام وتشغيله لفترة زمنية محددة، على أن تعود ملكية المشروع إلى الدولة بعد انتهاء تلك الفترة.

الاسم “B.O.T” هو اختصار للمصطلحات الإنجليزية: Build – Operate – Transfer، أي: بناء – تشغيل – نقل الملكية.

ويُعرّف عقد البوت بأنه اتفاق يُبرم بين الدولة وإحدى الشركات الخاصة – سواء كانت وطنية أو أجنبية – لإنشاء وتشغيل مرفق عام على نفقة الشركة ولمصلحتها خلال مدة العقد، مقابل حقها في الاستفادة من عائدات المشروع، وذلك تحت إشراف ورقابة الجهات الحكومية المختصة، التي تحدد الرسوم وآليات التحصيل وفقًا لضوابط قانونية وفنية مسبقة، على أن يتم نقل ملكية المشروع لاحقًا إلى الدولة أو إحدى مؤسساتها العامة.

تبرز أهمية هذه العقود في تشجيع الاستثمارات، وتعزيز دور القطاع الخاص في التنمية، وتحسين جودة الخدمات العامة، مع تخفيف الأعباء المالية عن كاهل الحكومة.

ووفقًا لدليل الأونسيترال التشريعي بشأن الشراكات بين القطاعين العام والخاص، فإن هذه العقود تُستخدم عندما تعهد الدولة إلى شريك خاص بتمويل وبناء وتشغيل مشروع بنية تحتية، مقابل منحه حق الاستغلال التجاري خلال فترة معينة، تنتهي بنقل الملكية إلى الدولة.
ويُصنف عقد البوت كعقد إداري يخضع للقانون العام، دون أن يمنع ذلك من تطبيق بعض قواعد القانون الخاص، طالما لم تتعارض مع مقتضيات المرفق العام.

رغم التشابه بين عقد البوت وعقد الخصخصة من حيث التعامل مع أصول عامة، إلا أن الاختلاف جوهري بينهما:
    •    في عقد البوت، تحتفظ الدولة بملكيتها للمشروع وتعود لها بعد انتهاء المدة، مع استمرار إشرافها أثناء التشغيل.
    •    في المقابل، تنقطع علاقة الدولة نهائيًا بالمشروع في حالة الخصخصة، حيث تنتقل الملكية بالكامل إلى القطاع الخاص دون إشراف لاحق.

ومن الالتزامات الرئيسية على المستثمر
    1.    تنفيذ المشروع وتشغيله وفق المواصفات المتفق عليها.
    2.    الالتزام بكافة الضوابط المتعلقة بالأمن، النظام العام، وحماية البيئة.
    3.    إعادة المشروع إلى الدولة في حالة جيدة ودون مقابل بعد انتهاء العقد.

مزايا عقد البوت
    1.    تخفيف الضغط على الموازنة العامة: حيث تتحمل الجهة المنفذة تكلفة الإنشاء والإدارة والصيانة.
    2.    تشجيع تدفق الاستثمارات الجديدة: مما يساهم في تنشيط الاقتصاد، وتحسين ميزان المدفوعات، وتقليل الاعتماد على القروض.
    3.    خلق فرص عمل: يُسهم في تقليل البطالة ونقل الخبرات إلى العمالة الوطنية.
    4.    تطوير الأداء الحكومي: من خلال تحسين كفاءة الخدمات وسرعة الاستجابة للاحتياجات العامة.
    5.    نقل التكنولوجيا: حيث تُلزم الشركات بنقل المعرفة وتدريب الكوادر الوطنية على إدارة المشروع بعد تسليمه للدولة.
    6.    تحمل مخاطر التنفيذ: إذ يقع عبء المخاطر الفنية والمالية على الشركة المنفذة، لا على الدولة.

رغم مزاياه العديدة، يواجه هذا النظام تحديات، أبرزها:
    •    تحويل الأرباح إلى الخارج: خاصة في حال كون الشركات المتعاقدة أجنبية، مما قد يؤثر على ميزان المدفوعات، ويستوجب وضع ضوابط قانونية لإلزام المستثمرين بإعادة استثمار جزء من الأرباح داخل الدولة.

    •    آليات تسوية النزاعات: غالبًا ما يتم اللجوء إلى التحكيم أو الوساطة بدلاً من القضاء، مما يحدّ من رقابة القضاء الوطني على تنفيذ العقود.

في تقديري الشخصي إن نظام عقد البوت (B.O.T) لم يعد خيارًا بل ضرورة، خاصة للدول التي تسعى إلى تقليل العجز المالي وتحقيق التنمية الشاملة دون إثقال كاهل موازناتها العامة. ويقع على عاتق الأجهزة الإدارية للدولة دور أساسي في إعداد المشاريع الملائمة وتوفير البيئة التشريعية والمناخ الاستثماري الجاذب لتنفيذها، بما يُحقق الصالح العام ويُعزز من جودة الحياة للمواطنين.