كمال زاخر
الأربعاء 11 يونيو 2025
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عبر ثلاثة عقود ونصف ويزيد، اقتربت من الاشكاليات الكنسية، طارحاً ومحللاً ومقدما لمخارج أزعم انني امتلكتها عبر خدمة ممتدة بين مدارس الأحد واجتماعات الشباب، والحياة العملية المشتبكة مع الناس والهم العام، وقد تتلمذت بانتباه علي خدام اتقياء كنسيين واعين، مدنيين وكهنة، لعل ابرزهم بحسب زمن التلمذة، والتي انطلقت في، ومن، اروقة كنيستي "مار جرجس بالقللي"؛ ابي القمص يوحنا عبد المسيح ابادير والمهندس باقى نمر ميخائيل (القس شنودة ميخائيل فيما بعد) والاستاذ جورج رمزى أمين مدارس الأحد. 

اللافت أن هؤلاء كانوا متعددي الثقافات والمشارب والرؤى، الأمر الذي جعل تلمذتي لهم إضافة ثرية ليس فقط لفكري بل أيضاً لقلبي ووجداني.

فالقُمُّص يوحنا جاء إلى خدمته الكهنوتية من خلفية صعيدية لكونه من ابناء محافظة اسيوط ومن قرية "الغنايم" القابعة في حضن الجبل، ورغم أنه نشأ في مناخ مرتبط بالأرض والزراعة والنيل، إلا أنه اتجه في شبابه، واسمه نجيب عبد المسيح، إلى العمل الحر، فاشتغل في تجارة الذهب، بقريته والقرى والمدن المتاخمة، وهو عمل موسمي في الريف المصري إذ يرتبط بمواسم حصاد القمح وجني القطن بالأساس، التي يعقبها موسم الزواج بعد بيع تلك المحاصيل، هنا يبدأ موسم عمل "الصايغ" الذي يحمل شنطته الصغيرة، فليس له محل، يجول ما بين تجميع طلبات تلك الأسر والنزول بها إلى "الصاغة" بالقاهرة، والعودة بها إلى القرية والقرى المجاورة لها.

وهنا يتكشف لنا كيف اتجه للخدمة الكنسية واعظاً متجولا،ً كدأب وعاظ ذاك الزمان، إذ كان عمله موسمياً بالكاد يغطي شهرين أو ثلاثة في العام، فوجد في جمعية اصدقاء الكتاب المقدس القريبة من قريته، ما يشغل تلك الشهور الممتدة بلا عمل تقريباً، وفيها تبدأ رحلته مع الخدمة الكنسية والتي تتدرج إلى تفرغه الكامل للخدمة الكهنوتية، ليصير اسمه القس يوحنا عبد المسيح، بدأت خدمته الكهنوتبة بالمنيا ثم ينتدب للسودان ثم يعود بعد سنوات إلى مصر، ليكلفه البابا كيرلس السادس في منتصف ستينيات القرن العشرين بالخدمة بكنيسة مار جرجس بالقللي ـ كنيستي ـ وهي الكنيسة التي اشتهرت شعبياً بكنيسة سرجيوس، خطيب ثورة 19، والتي شهدت معاركه السياسية والفكرية.

فيما كان المهندس باقي ينتمي إلى عائلة برجوازية تقطن حي القللي، وكان بجوار دراسته يخدم كشماس بذات الكنيسة ثم يتدرج في خدمته ليتولى الأمانة العامة لمدارس الأحد بها، التي ينقل اليها انضباطه متأثرا بعمله كمهندس ومدير بالمصانع الحربية، وكذلك كان الاستاذ جورج رمزي، أمين مدارس الأحد للأولاد، القادم من الطبقة الوسطى، والشغوف بالثقافة، وعنده تعرفنا علي كتابات المفكرين علي مختلف اتجهاتهم، وأذكر أنه كان حريصاً علي امدادنا بكتب الأب متى المسكين، التي اتاحها لنا بنظام التقسيط بما يتناسب مع قروشنا القلية، كتلاميذ في المرحلة الثانوية آنئذ، وكانت البداية مع كتاب "حياة الصلاة" الذي امتد تأثيره إلى خارج الكنيسة المصرية بشهادة المطران جورج خضر مطران جبل لبنان الشهير للروم الأرثوذكس.

تعرف اقدامنا الطريق إلى اجتماع الاستاذ كمال حبيب، الذي دخل بنا إلى عمق الكتاب المقدس، بكنيسة مار مينا ـ بشبرا ـ التي تقع علي بعد خطوات من كنيستنا، ويصير فيما بعد الأنبا بيمن اسقف ملوي، وقد تخرج في كلية الآداب 1950، جامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة الآن)، ثم حصل علي دبلوم معهد التربية العإلى، 1951، ثم ماجستير التربية بمرتبة الشرف، 1959، يلتحق بالكلية الإكليريكية ويتخرج فيها عام 1963.

ومن باب المصادفة أن يكون، قبل هذا، هو من أسس منظومة مدارس الأحد بالقللي، ومعه المهندس باقي ميخائيل، والأستاذ حلمي عياد، الذي ينتقل ليخدم في كنيسة العذراء بالوجوه بشبرا ويؤسس هناك منظومة مدارس الأحد بها، ويتولى أمانتها.

وثلاثتهم زاملوا الاستاذ نظير جيد في سنوات اللجنة العليا لمدارس الأحد في الفترة من منتصف الأربعينيات إلى منتصف الخمسينيات، التي قصد فيها الاستاذ نظير جيد الرهبنة ليصير الراهب انطونيوس السرياني، 1954، ثم يصبح الأنبا شنودة أُسقف التعليم، 1962، ثم يصير البابا شنودة الثالث (1972 ـ 201).

كان البابا شنودة يعرف قدرهم فدعاهم، بعد تنصيبه كبابا، في توقيتات مختلفة، للخدمة معه، ليصير الاستاذ حلمي عياد كاهناً في كنيسة العذراء والأنبا ر رويس الأثرية، الواقعة في حرم الكاتدرائية المرقسية بالعباسية. في 28 مايو 1972م.، ويتنيح في أغسطس 2007 م.

فيما يختار المهندس باقي نمر ميخائيل، لكونه متزوجاً ليقام كاهنا لخدمة كنيسة مار جرجس بمنشية الصدر، بالقاهرة، 1973.

أم الأستاذ كمال حبيب فيتم رسامته أسقفاً عاماً 1975 ثم أسقفاً لإيبارشية ملوي، محافظة المنيا، 1976، وكان مهيئاً لذلك لكونه متبتلاً، لم يتزوج.

ومن نفس الرعيل كان هناك ضلع رابع زاملهم الخدمة لكنه بقي علمانياً، يخدم الشباب بهدوء وعمق يمزج الروحانية الأرثوذكسية بخلفياته الفلسفية التي شكلتها دراسته لها بكلية الآداب، وعمله كمدرس للفلسفة في المدارس الثانوية، الاستاذ كمال نسيم، الذي عنه ادركنا قيمة الخدمة بغير ضجيج. 

ومن شبرا نذهب إلى اجتماع ناشئ لأسقف واعد مختلف، بالكلية الاكليريكية لنشاهد افتتاح الإجتماع العام لأسقف التعليم الانبا شنودة، 1962، الذي يبحر بنا في تأملات سخية في مزامير سواعي الأجبية، ثم تنويعات من التأملات الروحية، بلغة كسرت الأنماط السائدة وقتها، والتي كانت تعتمد علي اللغة الفصحى المحتشدة بالبلاغة والمحسنات والشعر التقليدي، تدعمها لغة الجسد، فإذا بنا أمام أسقف يخاطب الشباب بلغة معاصرة، لغة فصحى صحفية، وفي موضوعات تدغدغ مشاعرهم، وتلامس فكرهم وتبني وعيهم، وتفتح أمامهم آفاق العشرة مع الله وتضع اقدامهم علي طريق التوبة؛ دعوة الكنيسة الأثيرة.

وننتقل معه إلى القاعة اليوسابية بالإكليريكية، ثم إلى البطريركية بكلود بك، بوسط القاهرة، بعد ان ضاقت قاعات الاكليريكية على مرتادي الاجتماع، ثم ننتقل معه إلى الكاتدرائية المرقسية بالانبا رويس بالعباسية وهى بعد هيكلاً خرسانياً، إلى أن استقر به المقام وقد صار بطريركاً للكنيسة في بهو الكاتدرائية. 

في غضون ذلك نطرق ابواب الأديرة لنتعرف علي جناح الرهبنة ونغترف من خبرات النسك والنمو الروحي ونتسلح بتقوى آباء البرية، ونتلقف كتب الأب متى المسكين بشغف لتتسع مداركنا اللاهوتية وتكتمل دائرة مصادر الوعي بين الوعظ والتعليم والتلمذة.

والأب متى المسكين، هو واحد من العلامات المضيئة من جيل شباب اربعينيات القرن العشرين، ولد عام 1919 واسمه يوسف اسكندر، تخرج في كلية الصيدلة عام 1943، وافتتح صيدلية بدمنهور وظل يعمل بها حتى عام 1948، ليغلقها ويتوجه طالبا الرهبنة بدير نائي بجبل القلمون بالمنيا، دير القديس صموئيل المعترف، وينتقل منه إلى دير السريان بصحراء وادى النطرون، وتجري في نهر حياته مياه كثيرة، ليحط به الرحال أخيراً في دير الأنبا مقار، الذي يقع هو ايضاً في وادي النطرون، وفي واحدة من تسجيلاته التي تحمل اسم "الإنجيل في حياة الراهب"، يحكي كيف سيطرت عليه فكرة الرهبنة، فلم يكن يقصد التوحد أو هجرة العالم والحياة التي يعيشها، بل قاده اليها شغفه المتنامي بقراءة ودراسة الإنجيل، ويقول أنه في قراءته كان يتماهى مع ما كان يقرأه، فيجد نفسه وقد استغرقته أحداث ما يقرأ، فيعيش مع آدم في الجنة ويطرد معه منها، ويصاحب الآباء ابراهيم واسحق ويعقوب، ويقترب من انبياء العهد القديم، وينتقل ببطء من حدث إلى أخر، حتي أدرك أن حياته مهما طالت لن تتيح له الإنتهاء من قراءة الكتاب المقدس، وفق هذا النسق، وهو يبحث عن الله فيه، فقرر أن يتفرغ لتحقيق هذا الهدف بعيداً عن ارتباطات العمل ومشاغله التي لا تنقطع، وأخذ يستعرض البدائل التي توفر له هذا، حتي اهتدى إلى خيار الرهبنة، وحين قصد ذاك الدير النائي والذي لا يكاد يعرفه أحد، ذهب، ليجد فيه نفر قليل من الرهبان الطاعنين في السن ويتتلمذ علي رئيسه الراهب مينا المتوحد (الذي صار فيما بعد البابا كيرلس السادس)، ويقول الأب متى المسكين أنه حين استقر بالدير طلب إلى الله إما أن يمد في عمره أو يعطيه استيعاباً اكبر حتى يستطيع أن ينتهي من قراءة وفهم الكتاب المقدس وتكتمل عنده معرفته بالله، بطريقته، ويستطرد أن الله اعطاه الأمرين معاً.

وفي رحلة حياته يقدم للمكتبة عشرات الكتب اللاهوتية والتفسيرية، التي يتجاوز الواحد منها السبعمائة صفحة من القطع الكبير، ومئات الكتب المتوسطة والصغيرة التي تحمل تأملاته الروحية. 

غير بعيد نتغذى من روافد عديدة كان ابرزها في مراحلنا المبكرة كتب الارشيدياكون رمسيس نجيب، التي تناقش قضايا الشباب المسيحي في مواجهة الحياة العامة. 

لم يكتف، رمسيس نجيب، بالانتاج الفكري بل انضم لمؤسسي واحد من البيوت التي أُنشئت للطلبة المغتربين من المحافظات خارج القاهرة والملتحقين بجامعة القاهرة، ويقع في محيط الجامعة بالجيزة، واطلق عليه "بيت الشمامسة"، ويتولي فيما بعد مسئولية ادارته، 1960، ويتفرغ لهذه المهمة ويقيم داخل البيت، ويضع له نظاماً منضبطاً ويتولي رعاية الشباب الملتحقين به، ويعكف علي تثقيفهم دينياً بجوار طرح ومناقشة مشاكلهم علي ارضية الإنجيل والعلوم الإنسانية. مدعوما بدراسته الجامعية وعمله السابق كمدرس للمرحلة الثانوية. ويعد أول من تبنى نسق الكتابة للشباب باسلوب يناسب طبيعتهم، فاصدر العديد من الكتب التي اقتحمت، وقتها، تابوهات الحب والجنس والدين، ليطرح من خلالها الرؤية المسيحية لها، وكيف يتعامل الشباب مع قضاياها. 

وفي هذا يقول "اتخذت أسلوباً بسيطاً في الاصدارات التي ينشرها “بيت الشمامسة” وهى أن تضع للقارئ المعلومة من خلال قصة تدخل “قلبه”، وبهذا المنهج تجد سلسلة “فضائل في حياة القديسين” التي منها كتب “المحبة والعفة”، وهناك أسلوب التساؤلات الشبابية، فالقارئ اليوم يحتاج إلى “سندوتش”، ومن خلال خدمة الشباب طوال هذه السنوات تكررت عندي الأسئلة التي يطرحونها، فالموضوعات تُدرَّس عشرات المرات، مما يعطى خبرة كبيرة في مجال الأمور الاجتماعية… ويظهر ذلك في كتب “طهارتي" ، "الاختلاط”… وإلى جانب ذلك هناك كتب عامة مثل: “معاملات المسيح مع الخطاة”، والمهم في الكاتب أن يحترم بالأساس ثقافة الاختلاف ... وأذكر عبارة جميلة تقول: “كان عندى 5 أولاد ربيتهم بالأحرى تربيت علي أيديهم، وهذا هو الأب والخادم والقسيس الناجح فالذي يُعلّمه هو نفسه يتعلمه." (من حوار معه أجرته جريدة وطنى المصرية ونشر علي موقعها قى 2مارس 2014).

وتخَرَّج في هذا البيت اجيال من الشباب انخرطوا في الحياة العامة في ربوع مصر وخارجها فكانوا سفراء للمسيح والكنيسة والوطن يقدمون صورة حية فاعلة ومؤثرة في تلاحم وسلام المجتمع.

ثم نتعرف علي الدكتور نصحي عبد الشهيد، أحد العلامات المضيئة والفاعلة في توفير ابداعات اباء الكنيسة الأولي منابع اللاهوت الآبائى الأرثوذكسى مترجمة من اصولها اليونانية، في مركز دراسات الآباء الذي دشنه لوصل ما انقطع مع الآباء.

وحين يرد ذكر الدكتور نصحي عبد الشهيد، يقفز إلى الذهن منظومة التكريس القبطية، والتي تأسست في العقد الرابع من القرن العشرين، عندما استشعر طيف من شباب الأقباط الفجوة المعرفية بين كنيستهم وبين التطور الذي لحق بالكنائس الأخرى حتى الكنائس المشرقية منها، فنذروا حياتهم في تفرغ كامل لوصل ما انقطع بالتواصل مع كنوز الكنيسة القبطية المخبوءة في أقبية الأديرة ومخطوطات الآباء التي تملأ رفوف المكتبات الكبرى في عواصم العالم ومتاحفها، من فرنسا إلى انجلترا إلى روما وغيرها.

وإزاء حاجة الكنيسة الملحة لتعريب وترجمة أعمال وقرارات (قوانين) المجامع المسكونية، وكتابات الآباء ذات الصلة، بشكل مؤسسي، عن لغتها إليونانية، تفرز حركة التكريس تياراً يحمل علي عاتقه هذه المسئولية، كان رائده الدكتور نصحى عبد الشهيد، الطبيب المُكرَّس، الذي يبادر بتأسيس "مركز دراسات الآباء" بفدائية وجلد ومثابرة، ويبتعث عديد من الشباب النابه إلى إليونان، بعد نجاحه في توفير منح دراسية فيها، لدراسة اليونانية القديمة ودراسة اللاهوت الآبائي الشرقي الذي انتجه علماء وآباء مدرسة الأسكندرية اللاهوتية العريقة ورفاقهم من كل الكنائس التقليدية، ويعودون لينطلق بهم ومعهم حراك ثقافي لاهوتي قبطي ينعش الحياة الكنسية، ويفتح ابواب التواصل مع الكنائس الشقيقة في كل العالم، ويؤسس لبناء اجيال جديدة واعية لتراث كنيستهم المصرية.

وتفرز حركة التكريس رافداً أخر من شباب ذاك الجيل يطرق ابواب الأديرة، 1948، طلباً للرهبنة يقوده الأب متى المسكين، الذي يُثري المكتبة بالعديد من الدراسات التي تُعتَمد كمراجع للإيمان السكندري. ويطوِّر من وضعية الأديرة من خلال تجربته المتفردة في دير الأنبا مقار بصحراء وادي النطرون ويستطيع أن يحقق المعادلة الصعبة في تأسيس رهبنة مصرية تجمع بين الالتزامات الرهبانية ونذورها وبين العمل المنتج والذي يسمى في الأدب الرهباني "عمل إليدين"، الذي يوفر للراهب احتياجاته المعيشية، ساعده في هذا توفر كوادر رهبانية من خريجي الجامعات في تخصصات مختلفة، وتوفر الميكنة الزراعية، ومن خلالهما يستصلح الدير مئات الأفدنة من الأراضي الصحراوية المحيطة بالدير، ويطور العمل باستحداث مشاريع التصنيع الزراعي، وعنه تنقل اديرة أخري تجربته، التي تصل إلى مسامع الرئيس انور السادات الذي يزور الدير بصحبة المهندس حسب الله الكفراوى وزير الاسكان والمجتمعات العمرانية الجديدة والمؤسس للمدن الجديدة، ويطَّلعا علي تجربة الدير وينقلانها إلى مدينة السادات، المقابلة للدير علي الضفة الأخرى للطريق الصحراوي.

وحين تستدعي الذاكرة هؤلاء الرواد، لا يمكن أن نغفل إمرأة مصرية، كان لها دور بارز ومؤثر في نهضة الكنيسة واسترداد دورها المحوري وسط كنائس العالم، الأستاذة ايريس حبيب المصري (1910 ـ 1994)، وهي من أسرة ثرية، حصلت علي بكالوريوس الآداب من جامعة لندن 1938، وهي مؤرخة مصرية أثرت المكتبة بالعديد من المؤلفات ابرزها موسوعة "قصة الكنيسة القبطية" ويقع في تسعة مجلدات تتناول تاريخ الكنيسة القبطية منذ تأسيسها في القرن الأول الميلادي حتى القرن العشرين، ولم يكن مجرد تأريخ للكنيسة فقط بل للحالة الاجتماعية والسياسية لمصر، وأبرز الرموز الوطنية المصرية في كل جيل، ولم يكن تناولها مجرد رصد بل شمل تحليلاً يتناول ابرز احداث تلك الحقب التاريخية وأزماتها ومعاركها الفكرية والمجتمعية والثقافية.

وبجوار هذا العمل الموسوعي اصدرت العديد من الكتب، منها كتاب "المرأة في الكنيسة القبطية" 1979، وكتاب "تأثير الفرعونية علي الحياة القبطية الحديثة" 1980، فضلاً عن كتب تتناول شخصيات مصرية وطنية، وكتاب عن والدها حبيب باشا المصري، مؤسس مصلحة الضرائب المصرية ووكيل المجلس الملّي للكنيسة القبطية الارثوذكسية لثلاث دورات.

والحاصل‏ ‏علي‏ ‏درجة‏ ‏الليسانس‏ ‏في‏ ‏الحقوق‏ ‏بتقدير‏ ‏ممتاز‏ من مدرسة الحقوق الفرنسية، ‏بعد‏ ‏ذلك درس‏ ‏الشريعة‏ ‏الإسلامية‏ في كلية الحقوق جامعة فؤاد الأول (جامعة الفاهرة فيما بعد).‏

:::::::::::::::::::::::::::::: 

وقد تركت قلمى يستدعي كل هذه الخبرات لنقول أننا كنا جيلاً محظوظاً، استطاع أن ينجو، بفعل تعدد مصادر التكوين، من مصيدة الانحياز لشخص أو تيار أو مدرسة بعينها، واحتفظنا بتقديرنا لكل من تعلمنا وتتلمذنا عليهم، حتى في ادق لحظات المواجهة مع الإشكإلىات الكنسية. وكتاباتي تقف شاهدة علي هذا.