بقلم د . ق يسطس الأورشليمى
كتاب وباحث في التاريخ المسيحى والتراث المصرى
وعضو إتحاد كتاب مصر
يعتبر القديس الرسول يعقوب بن زبدي هو أول شهداء الرسل ، وصعدت دماؤه ترعد مدوية بالشهادة للمسيح النور الحقيقي ، وما الرعد إلا رجع لنور البرق ، وهكذا أتمّ نبؤة الأسم الذي أخذه من فم الرب يوم تكريسه للرسولية هو ويوحنا أخاه (بوانرجس) " ابنى الرعد " .
وكانت حياة يعقوب أثناء سجنه حياة نقية وقوية ونموذجاً حياً للمسيحى ، أثرت في رئيس السجن الذي آمن على يديه بالمسيحية ، وأخذت رأسه بالسيف مع رأس يعقوب في عام 44م فى عهد الملك اغريباس ( حفيد هيرودس الكبير قاتل أطفال بيت لحم وابن أخو هيرودس الثانى الذي قطع رأس يوحنا المعمدان ) وهو الوحيد بين الرسل الذي سجل لنا الإنجيل كيفية موته ، وقد نقل يوسابيوس لنا هذا الخبر عن اكليمندس الإسكندري كما دونه في كتابه السابع هيبوتيبوسيس .
وهكذا شرب يعقوب مبكراً من الكأس التي شرب منها الرب (مت 20 : 22)، فكان أول من شرب من بعده من التلاميذ الأثنى عشر ، وذلك بما كان يتناسب مع لهفته على أن يجلس عن يمين الرب في ملكه فجلس ، وأما أمه فزفته في موكب الصليب يوم أن خرجت تودع الرب ، وما دريت أن طلبتها إستجيبت بأسرع مما كانت تظن .
ولقد كان فى طلبتها لغز موته أو زفافه إلى المجد قبل أخيه حينما عينت له اليمين وتركت ليوحنا الشمال ، واليمين بالنسبة للرب هو من نصيب الأكبر سناً والشمال بالنسبة للرب هو من نصيب أصغر التلاميذ سناً وأكثرهم حباً . تجمع التقاليد على أن مجال تبشيره كان في اليهودية والسامرة وجال أيضا في بلاد أسبانيا كارزاً ومعلماً .
يذكر اسم " يعقوب " ( غير يعقوب أبي الأسباط ) 38 مرة فى العهد الجديد ، غالبيتهــا في الاناجيل الثلاثة الأولى . وقد يصعب تحديد من يشير إليه فى كل مرة من هذه المرات ، ماعدا يعقوب بن زبدى فالإشارات إليه واضحة .
كان يعقوب بن زبدي صياداً من الجليل ( مرقس 1 : 19 و 20 ) . وقد دعاه الرب هو وأخاه يوحنا - بينما كانا في سفينة الصيد مع زبدي أبيهما يصلحان الشباك - ليكونا من تلاميذه الاثني عشر ( مت 4 : 21 ، مرقس 1 : 19 و 20 ) . ويبدو أن يعقوب كان زكبر من زخيه يوحنا ، إذ يذكر فى أكثر المرات قبل يوحناز ، كما يوصف " يوحنا " أحيانا بأنه " أخو يعقوب " ( مت 10 : 2 ، 17 : 1 ، مرقس 3 : 17 ، 5 : 37 ) . وحيث أن زبدى أباهما كان معه أجرى فى السفينة ( مرقس 1 : 20 ) ، كما كان يوحنا " معروفا عند رئيس الكهنة " فدخل مع يسوع إلى دار رئيس الكهنة ، كما استطاع أن يُدخل بطرس معه ( يو 18 : 15 و 16 ) ، فقد استنتج الكثيرون أن زبدي وابنيه كانوا ناجحين فى عملهم ، ولهم مراكز اجتماعية مرموقة .
وكان يعقوب ويوحنا وبطرس يكونون الحلقة الداخلية الأكثر التصاقا بالرب يسوع ، إذ يبدو أنهم كانوا أكثر ادراكاً لشخص المسيح وعمله ، فقد رافقه هؤلاء الثلاثة عند إقامة ابنة يايرس ( مرقس 5 : 37 ، لو 8 : 51 ) ، وعند صعوده إلى جبل التجلى مت 17 : 1 ، مرقس 9 : 2 ) ، وعند جهازه في بستان جثسيمانى ( مت 26 : 37 ، مرقس 14 : 33 ) كما أن بطرس ويعقوب ويوحنا يذكرون عادة فى مقدمة الرسل ( مت 10 : 2 ، مرقس 3 : 16 - 19 ، لو 6 : 14 ) . وقد رافق يعقوب ويوحنا الرب يسوع عند ذهابه إلى بيت سمعان بطرس وأندراوس ، وشفاء حماة بطرس ( مرقس 1 : 29 - 31 ) .
وقد دعا الرب يعقوب ويوحنا " بوانرجس " ( أي ابني الرعد - مرقس 3: 17 ) ولعل ذلك كان لاقتراحهما أن يطلبا أن تنزل نار من السماء لتفنى قرية السامريين الذين رفضوا قبوله ، فانتهرهما وقال لها : " لستما تعلمان من أي روح أنتمات . لأن ابن الإنسان لم يأت ليهلك أنفس الناس بل ليخلص " ( لو 9 : 51 - 56 ) .
كما بدت جرءتهما وتفكيرهما المتهور عندما طلبا أن يكون لهما مكان الصدارة معه في مجده ، فيجلس أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره ( مرقس 10 : 35 - 40 ) .
وقد أنبأهما الرب يسوع بأنهما سيشربان الكأس التي يشربها ، وأنهما سيصطبغان بالصبغـــة التى يصطبغ بها ( مرقس 10 : 38 و 39 ) .
كما كان يعقوب ويوحنا ( ابنا زبدي ) مع بطرس ومن معه عند بحر طبرية ، عندما ظهر لهم الرب يسوع بعد قيامته ( يو 21 : 1 و 2 ) . ومن العجيب أن يعقوب بن زبدي لم يذكر باسمه فى إنجيل يوحنا .
ولا نعلم شيئاً خاصاً عن يعقوب بعد ذلك إلى نحو عام 44 م . عندما تمت نبوة الرب له ، فقتله هيرودس أغريباس الأول بالسيف ، فكان أول من استتشهد من الاثنـــــى عشر ( أع 12 : 1 ) .
وكانت امرأة زبدي هى سالومة ( مرقس 15 : 40 ، 16 : 11 ) التى يُظن أنها كانت أخت مريم العذراء ( ارجع إلى يوحنا 19 : 25 ) ، ولو صح هذا لكان معناه أن يعقوب ويوحنا كانا ابني خالة الرب يسوع ، ولعل هذا هو ما جعلهما يظنان أنهما أفضل من سائر التلاميذ .
وهناك تقليد غير موثوق منه ، بأن يعقوب بن زبدي كرز بالإنجيل فى أسبانيا ، وكذلك تتخذه الكنيسة هناك شفيعا لها .