محرر الأقباط متحدون
"كما لا يُولد أحد بطلاً، كذلك لا يُولد أحد قديسًا. وإنما التدريب اليومي على المحبة هو ما يُقرّبنا من النصر النهائي، وما يجعلنا قادرين على المساهمة في بناء عالم جديد" هذا ما قاله قداسة البابا لاوُن الرابع عشر في عظته مترئسًا القداس الإلهي بمناسبة عيد الثالوث الأقدس ويوبيل الرياضة
ترأس قداسة البابا لاوُن الرابع عشر صباح الأحد القداس الإلهي في بازيليك القديس بطرس، احتفالًا بعيد الثالوث الأقدس ويوبيل الرياضة ضمن فعاليات اليوبيل المقدس. وفي عظته، قدّم البابا تأملًا لاهوتيًا وإنسانيًا عميقًا، جمع فيه بين سرّ الثالوث الإلهي وجمال الرياضة كفسحة للقاء، والعطاء، والنمو، والمجانية. قال البابا لاوُن الرابع عشر لقد سمعنا في القراءة الأولى، هذه الكلمات: "هَذا ما تَقولُه حِكْمَةُ الله: "الرَّبُّ حازَني في أَوَّلِ طريقِه، قَبلَ ما عَمِلَهُ مُنذُ البَدْء. مِنَ الأَزَلِ مُسِحْتُ مِنَ الأوَل، مِن قَبلِ أَن كانَتِ الأَرْض. حينَ ثبّتَ السَّمَواتِ كُنتُ هُناك، وَكُنْتُ عِندَه مُهَنْدِسًا، وَكُنْتُ في نَعيمٍ يَومًا فيَومًا، أَلعَبُ أَمامَهُ في كُلِّ حين، أَلعَبُ في مَسكونَةِ أَرْضِه، ونعيمي مع بَني البَشَر". إن الثالوث والحكمة بالنسبة للقديس أغسطينوس مرتبطان ارتباطًا عميقًا. فالحكمة الإلهية تتجلّى في الثالوث الأقدس، والحكمة تقودنا دائمًا إلى الحقيقة. واليوم بينما نحتفل اليوم بعيد الثالوث الأقدس، نعيش أيام يوبيل الرياضة. قد يبدو الربط بين الثالوث والرياضة غير شائع، لكنه في الواقع ليس غريبًا. فكل نشاط إنساني صالح يحمل في طياته انعكاسًا لجمال الله، والرياضة بالتأكيد هي من بين هذه النشاطات. فالله، في نهاية المطاف، ليس ساكنًا ولا منغلقًا على ذاته، بل هو شركة، وعلاقة حيّة بين الآب والابن والروح القدس، تنفتح على البشرية والعالم. ويطلق اللاهوت على هذه الحقيقة اسم " perichoresis"، أي "الرقص": رقص المحبة المتبادلة.
تابع الأب الأقدس يقول من هذه الديناميكية الإلهية تتفجر الحياة. لقد خُلقنا على يد إله يسرّ ويبتهج بمنح الحياة لمخلوقاته، إله "يلعب"، كما ذكّرتنا القراءة الأولى. وقد تجرأ بعض آباء الكنيسة على وصف الله بأنه "Deus ludens"، أي "إله يلهو". ولهذا يمكن للرياضة أن تساعدنا على لقاء الله الثالوث، لأنها تتطلب حركة من الذات نحو الآخر، حركة خارجية بالتأكيد، لكنها في الأساس داخلية. ومن دون هذا البُعد، تصبح الرياضة مجرد تنافس عقيم بين أنانيات.
أضاف الحبر الأعظم يقول لنفكر في تعبير يُستخدم كثيرًا في اللغة الإيطالية لتشجيع الرياضيين أثناء المسابقات: يصرخ الجمهور قائلاً: "Dai!"، (هيا!). ربما لا نتأمل في معناه، لكنه فعل أمر جميل للغاية: إنه أمر مشتق من الفعل "أعطِ"، (Dare). وهذا يمكن أن يدفعنا للتفكير: فالأمر لا يقتصر فقط على تقديم أداء جسدي، وربما أداء خارق، بل على تقديم الذات، على "المخاطرة". يتعلّق الأمر بأن نعطي ذواتنا من أجل الآخرين — من أجل النمو الشخصي، ومن أجل المشجعين، والأحباء، والمدربين، والمعاونين، والجمهور، وحتى من أجل الخصوم — وإذا كان الإنسان رياضيًا حقيقيًا، فإن هذا العطاء يذهب أبعد من النتيجة. لقد عبّر القديس يوحنا بولس الثاني — وكان رياضيًا كما نعلم — عن ذلك بالكلمات التالية: "الرياضة هي فرح الحياة، هي لعب، هي احتفال، ويجب تقييمها على هذا الأساس […] من خلال استعادة طابعها المجاني، وقدرتها على إقامة روابط صداقة، وتعزيز الحوار والانفتاح المتبادل […] وتخطّي قوانين الإنتاج والاستهلاك القاسية، وكل رؤية نفعية أو تلذّذية للحياة". ومن هذا المنظار، نشير بشكل خاص إلى ثلاثة جوانب تجعل من الرياضة، اليوم، وسيلة ثمينة للتنشئة الإنسانية والمسيحية.
تابع الأب الأقدس يقول أولاً، في مجتمع تطبعه الوحدة، حيث أدت الفردانية المتطرفة إلى نقل مركز الثقل من الـ "نحن" إلى الـ "أنا"، ما أدى إلى تجاهل الآخر، تُعلّمنا الرياضة – لا سيّما الجماعية منها – قيمة التعاون، والسير معًا، والمشاركة، التي وكما ذكرنا، هي في صميم حياة الله. وهكذا يمكنها أن تصبح وسيلة مهمة لإعادة اللحمة واللقاء: بين الشعوب، وفي الجماعات، وفي البيئات المدرسية والعملية، وداخل العائلات. ثانيًا، في مجتمع يزداد رقمنة، حيث تُقرّب التكنولوجيا الأشخاص البعيدين، لكنها غالبًا ما تُبعد القريبين، تُبرز الرياضة واقعيّة المكوث معًا، ومعنى الجسد، والمكان، والتعب، والزمن الحقيقي. وهكذا، إزاء إغراء الهروب إلى العوالم الافتراضية، تساعدنا الرياضة على الحفاظ على صلة سليمة بالطبيعة وبالحياة الواقعية، المكان الوحيد الذي يُمارَس فيه الحب الحقيقي.
أضاف الحبر الأعظم يقول ثالثًا، في مجتمع تنافسي، يبدو فيه أن الحياة لا تليق إلا بالأقوياء والفائزين، تُعلّمنا الرياضة أيضًا كيف نخسر، فتُواجه الإنسان، من خلال فنّ الهزيمة، بأحد أعمق حقائق حالته البشرية: الهشاشة، والمحدوديّة، والنقص. وهذا أمر مهم، لأنّنا من اختبار هذه الهشاشة ننفتح على الرجاء. إنّ الرياضي الذي لا يخطئ أبدًا، ولا يخسر أبدًا، لا وجود له. لأن الأبطال ليسوا آلات لا تخطئ، بل رجال ونساء يجدون الشجاعة للنهوض مجدّدًا. ونتذكّر في هذا السياق مرة أخرى كلمات القديس يوحنا بولس الثاني، الذي قال إن يسوع هو "الرياضي الحقيقي لله"، لأنه غلب العالم لا بالقوة، بل بأمانة المحبة.
تابع الأب الأقدس يقول وليس من قبيل الصدفة أن الرياضة كان لها دور مهم في حياة كثير من القديسين في عصرنا، سواء كممارسة شخصية أو كوسيلة للبشارة. لنفكّر في الطوباوي بيير جورجيو فراسّاتي، شفيع الرياضيين، والذي سيُعلَن قديسًا في السابع من أيلول سبتمبر المقبل. تذكرنا حياته، البسيطة والمنيرة، بأنه كما لا يُولد أحد بطلاً، كذلك لا يُولد أحد قديسًا. وإنما التدريب اليومي على المحبة هو ما يُقرّبنا من النصر النهائي، وما يجعلنا قادرين على المساهمة في بناء عالم جديد.
أضاف الحبر الأعظم يقول هذا ما أكّده أيضًا القديس بولس السادس، بعد عشرين عامًا من نهاية الحرب العالمية الثانية، إذ ذكّر أعضاءَ جمعية رياضية كاثوليكية بمدى إسهام الرياضة في إعادة السلام والرجاء إلى مجتمع مزقته آثار الحرب. وقال: "تنشئة مجتمع جديد، هذا هو الهدف الذي تتوجه نحوه جهودكم: […] انطلاقًا من الوعي بأن الرياضة، من خلال عناصرها التربوية السليمة، يمكنها أن تكون أداة مفيدة جدًّا للارتقاء الروحي للإنسان، وهو الشرط الأول والأساسي لبناء مجتمع منظم، هادئ، وبنّاء".
وختم البابا لاوُن الرابع عشر عظته بالقول أيها الرياضيون الأعزاء، إنّ الكنيسة توكل إليكم رسالة جميلة جدًّا: أن تكونوا، من خلال نشاطاتكم، انعكاسًا لمحبة الله الثالوث، لخيركم وخير إخوتكم. اسمحوا لهذه الرسالة بأن تشرككم بحماس: كرياضيين، كمنشِّئين، كمجتمعات، كمجموعات، وكعائلات. لقد كان البابا فرنسيس يحب أن يسلّط الضوء على أن مريم، في الإنجيل، تظهر لنا نشطة، وفي حركة، لا بل "تجري مسرعة"، ومستعدّة — كما هنَّ الأمهات — للانطلاق بمجرد أن تأخذ إشارة من الله، لتُسرع إلى نجدة أبنائها. لنطلب منها أن ترافق جهودنا وحماسنا، وأن تُوجّهها دائمًا نحو الأفضل، لكي نبلغ النصر الأعظم: نصر الحياة الأبدية، حيث يكون "الملعب لانهائيًّا"، واللعب لا يعرف نهاية، ويكون الفرح كاملاً.