أحمد الخميسي
معظم الأفلام التي شاهدتها في صباي كانت عن رعاة البقر في الغرب وبطلها اللامع هو جاري كوبر المنهمك في مطاردة الأشرار من دون أن ينزل من على حصانه لحظة واحدة . البطل في تلك الأفلام كان بالنسبة إلينا" الشجيع".
 
يمضي تحت وابل من الرصاص والسهام تنهمر عليه ويخرج من كل ذلك الجحيم بياقة قميصه مفرودة وذقنه حليقة ! وكنا نزعق ونحن صبيان: " ده الشجيع ياجدع"! أي البطل الذي لا يمسه أذى، ثم كبرنا وأدركنا أن الأبطال لا يتعرضون للأذى في الأفلام فقط، أما في الواقع فغالبا ما تطالهم جراح المعارك. معظم زعماء الثورات في العالم تعرضوا للنفي والموت.
 
أحمد عرابي كان قاب قوسين من الإعدام ثم نفي إلي سيلان لعشرين عاما عقابا له على اعتقاده بأننا " لسنا عبيدا ولن نورث بعد اليوم".
 
عمر المختار تم إعدامه في 16 سبتمبر 1931 وظلت من بعده صيحته العظيمة "لا تحني رأسك فقد لا تتاح لك الفرصة لرفعها مرة أخرى"! لينين تعرض لمحاولة اغتيال في روسيا عام 1918على يد اليهودية " فانيا كابلان".
 
سعد زغلول تم نفيه إلي مالطا في مارس 1919. غاندي تعرض لست محاولات اغتيال وسقط صريعا في 1948 بثلاث رصاصات أطلقتها عليه  امرأة هندية .
 
عبد الناصر تعرض لمحاولة لاغتياله من الإخوان في أكتوبر 1954. نلسون مانديلا قضى نحو ثلاثين عاما في زنزانة. جيفارا اغتالوه في أكتوبر 1967. مارتن لوثر كنج اغتالوه في أبريل 1968.
 
ياسر عرفات توفي بالسم في نوفمبر 2004 . وسنجد قائمة طويلة أخرى للكتاب والمفكرين   
 
الذين تعرضوا للاضطهاد والملاحقة عبر التاريخ. أما جاري كوبر، وشون كونري، وغيرهما من أبطال الشاشة في الستينات فقد تمتعوا ببطولة مجانية، تجتمع على الواحد منهم جيوش الأمم كلها فينتصر عليها بمفرده في الجو والبر والبحر من دون أن تبتل علبة سجائره أو تخبو لمعة أسنانه.
 
كبرنا وأدركنا أن " الشجيع" في أفلام الصبا شيء، و" الشجيع" في معترك الحياة الاجتماعية الواقعية شيء آخر. في الفن  قد نعجب بالبطل الخارق، لكن في الواقع سنعشق أحمد عرابي، وسعد زغلول وعبد الناصر ومانديلا، وغيرهم ممن ينفذ الرصاص إليهم.
 
في الفن تكون الصورة هي الأساس، وفي الواقع يكون الفعل هو الأساس. البطل في الواقع يكون شهداء ثورة 19، وثورة يناير، حيث يكون الموت والبطولة من نصيب البسطاء الذين يخلقون البطولة في التاريخ، والذين يستحق كل منهم على حدة أن نقول عنه : " ده الشجيع يا جدع" .