د.ق يسطس الأورشليمى
باحث وكاتب بالتاريخ المسيحي والتراث المصري
وعضو اتحاد الكُتَّاب 
 
  هُم السالكين حسب الرُوح وليس حسب الجسد، ويعيشُوا للرّب يسُوع القائل: أنا هُو الطريق والحقّ والحياة، السالكين حسب نامُوس الرّب يسُوع القائل: احملُوا نيري عليكُم وتعلّمُوا مني، لأني وديع ومتواضع القلب فتجدُوا راحة لنفُوسكُم، لأن نيري هين وحملي خفيف (مت29:11).. فإذا سلكت بالرُوح القُدس الساكن فيك، يظهر في حياتك عملين وهما:
 
أولاً: قوة تمتلكك من الأعالي، وتكُونُون لي شهُوداً (أع8:1)..
ثانياً: نُور يُضيء ويُنير عينيك على كلمة الله ووصاياه فتقول: الرّب نُوري وخلاصي ممن أخاف، الرّب ناصر حياتي ممن أجزع..
فالنُور يُنير عينيك على كلمة الخلاص، الذي يمتلكك بالكامل بقُوة الرُوح القُدس الساكن فيك، فتقُول: مع المسيح صُلبت، فأحيا لا أنا، بل المسيح يحيا فيّ، فما أحياه الآن في الجسد، فإنما أحياه في الإيمان، إيمان ابن الله، الذي أحبني وأسلم نفسه لأجلي ( غل20:2)..
 
النامُوس طاهر وكامل ومُقدّس، لكنه أعلى من مستوى البشر والإنسان ضعيف، ولا يستطيع أن ينفذ النامُوس وفشل، والنتيجة: المُوت.. 
 أرسل الله ابنه في شبه جسد الخطية، ولأجل الخطية، دان الخطية في الجسد، قال: في شبه جسد الخطية، أي في نتائجها، من حيثُ الضعف  والحزن، والخوف، والألم، والبكاء، والضيق، والاضطراب..، كُل هذا ظهر بعد السقوط في الخطية، وفي القُداس الإلهي نقُول: أكملت نامُوسك عني، أخذ الذي لنا (المُوت)، وأعطانا الذي له (الحياة)..
      فإنكُم تعرفُون نعمة ربنا يسُوع المسيح، أنه من أجلكُم أفتقر وهُو غنيّ، لكي تستغنُوا أنتُم بفقره (2كو9:8؛ يع12:1-15)، والرّب أخذ جسداً مثل جسدنا ما خلا الخطية حتى يُجرب، ويمر بجميع مراحل حياتنا وظروفنا، فنجده يقُول: نفسي حزينة حتى المُوت، وبكى يسُوع على أورشليم، وعند قبر لعازر، وفي البستان، وأضطرب بالرُوح..
 
الرّب جاء ليحمل خطايا البشرية (يو29:1)، وهُو بلا خطية (يو46:8)،  فكيف يتفق النُور مع الظُلمة، والحياة مع المُوت ؟!
   المُوت لا يستطيع أن يأخذ جسد نُوراني بلا خطية، لذلك أخذ شبه جسد الخطية لكي يمُوت، لأنه جعل الذي لم يعرف خطية، خطية لأجلنا، لنصير برّ الله فيه (2كو21:5)، حتى يدين الخطية وهُو في الجسد بالمُوت الذي هُو أجرة الخطية، فالرّب لم يفعل خطية، ومات لأنه حمل خطايانا، فأصبح الذين مات من أجلهُم وحمل خطاياهم، قد أعتقوا من المُوت لأن عقُوبة المُوت لا تُوقع مرتين، وبذلك ميزان العدل الإلهي قد تم في تبريّر المسيح لنا، نحنُ الذين نسلك حسب الرُوح، وليس حسب الجسد، وقبلنا أن نحيا ونعيش للذي دان الخطية في الجسد، وأخذ عقُوبتها المُوت في جسده.. 
 
أن البرّ بالنسبة لنا هُو التمتع بالنصرة، والغلبة، والتزين بالفضائل، والصلاح، وليس مُجرد الامتناع عن الخطية فقط، فلا تقف عند السلبيات، بل يجب ممارسة الإيجابيات أيضاً، لأن البرّ حياة ديناميكية مُستمرة، وعمل رُوحي غير متوقف، وجهاد وكفاح حتى المنتهي، وكما قال الرّب يسُوع: وتكُونُون مبغضين من الجميع من أجل اسمي، ولكن الذي يصبر إلى المنتهي فهذا يخلص (مت22:10)... 
 
 مَن الذي يقود سفينة حياتك، هل الرّب أم الذات الأنا؟!
     أجعل يارّب رُوحك القدُوس هُو الرئيس والقائد، وربان السفينة الذي يمسك بالدفة، هُو الذي يحركني ويُقودني، لأن ذاتي أمسكت بدفة الحياة وأدخلتني في متاهة وصخُور الحياة، وحطمت سفينتي وأغرقتها..
 
 حقاً أن نفسيتك هي سفينتك في رحلة الحياة، فعليك الحفاظ عليها، وإصلاح ثقوبها باستمرار لئلا تُغرقك، فتتحّول حياتك من رحلة ممتعة إلى كارثة محققة، فسّد ثقوب الخوف، وشروخ القلق، والإحباط، بالإيمان، والرجاء الموضوع أمامك، فإن الرّب يسُوع نائم عندك في السفينة. (مت24:8؛ عب18:6؛ 2:12)..
 
 قال القديس يُوحنا ذهبي الفم في نفسه: “أن نفتكِ الإمبراطورة، فالأرض للرّب ومسيحه، وأن حكمت عليكِ بقطع رأسكِ، فقد تشبهت بيوحنا، وأن حكمت عليكِ بالرجم فقد تشبهتِ بأستفانُوس الشهيد، وأن ألقت بكِ في أتُون النار فقد تشبهتِ بالثلاثة فتية، وأن ألقت بكِ للأسُود فقد تشبهتِ بدانيال، وأن نشرت جسدكِ فقد تشبهتِ بإشعياء النبي، وأن حكمت عليكِ بالصّلب فليس لكِ يا نفسي أن تتشبهي بسيدكِ يسُوع المسيح، وأن صادرت جميع ممتلكاتكِ فعريان خرجت من بطن أمي وعريان أعُود إلى هُناك، وأن كان المُوت هُو طريقكِ، فيُوم الممات خير من يُوم الولادة..      
 
  أي إنسان منكُم إذا سأله ابنه خُبزاً (الحياة) يعطيه حجراً أي (المُوت)، وإن سأله سمكة (بركة) يعطيه حية (لعنة) ؟! فإن كنتُم وأنتُم أشرار تعرفُون أن تعطُوا أولادكم عطايا جيدة، فكم بالحريّ أبُوكم الذي في السموات، يهب خيرات للذين يسألونه !! (مت7:7-12)..
 
    إذ لم تأخذوا رُوح العبُودية أيضاً للخُوف، بل أخذتُم رُوح التبني الذي به نصرخ: يا أبا الآب!! وكلمة: أبي، باللغة العربية= أبا، باللغة اليونانية كلمة: أنبا باللغة القبطية، فالله هُو أب للكُل صانع الخيرات ومُعطي، وواهب العزاء للجميع، مُحب البشر ومُخلّص العالم (يو16:3)..
 
الرُوح نفسه أيضاً يشهد لأرُواحنا أننا أولاد الله، فالرُوح يشهد لأرواحنا من الداخل، فيعطينا الثقة والطمأنينة، وإن كنا أولاد الله فإننا ورثة أيضاً، وأي أبن هُو وارث لأبيه بعد مُوته، لكن الله لا يمُوت، فكيف نرث الله ؟! لذلك قال: وارثُون مع المسيح، لأن الله لا يمُوت، لكنه أخذ جسداً قابلاً للمُوت في شخص المسيح، (1تى16:3) الله ظهر في الجسد، حتى يُورثك، لأن الميراث مُرتبط بالمُوت، والسيد المسيح مات لكي يحمل خطايانا ويمُوت بها، ثم يُورثنا محبته، وبرّه، وحياته، وقداسته، وطهارته..
 
يسُوع وهُو عالم أن الآب قد دفع كُل شيء إلى يديه، ما في السماء وما في الأرض، فإن عشت معه هنا على الأرض، ستعيش معه هُناك في السماء حيث الميراث السماوي، الذي لا يفنى، ولا يتدنس، ولا يضمحل، محفُوظ في السموات لأجلكُم (1بط4:1)، فإن كنا نتألم معه لكي نتمجد أيضاً معه، فنحنُ الآن هُنا على الأرض في ملكُوت المسيح وصبره، وهُناك في السماء نكُون مع المسيح في ملكُوته ومجده (1يو15:2)..   
 
     حقاً الله يختار، لكن الشرُوط في يدك أنت، مثال الفريسي والعشار، واللص اليمين، الله يختار بعلمه ومعرفته السابقة، أما أرادته فشيء آخر، (مت37:23؛ 1تى4:2؛ رؤ20:3)، هل تفتح له قلبك؟! 
 
لقد أحبك منذ أن كُنت فكرة في عقله الأزلي، وبعد أن جبلها على صُورته ومثاله وبعد سقُوطها في الخطية، ودفع فيها دمه الغالي على عُود الصليب، ثم أقامنا معه وأجلسنا معه في السماويات في المسيح يسُوع، لأنكُم بالنّعمة مُخلّصُون بالإيمان، وذلك ليس منكُم، هُو عطيةُ الله، ليس من أعمالٍ كيلا يفتخر أحد، لأننا نحنُ عملُه، مخلُوقين في المسيح يسُوع لأعمالٍ صالحةٍ، قد سبق الله فأعدّها لكي نسلُك فيها..
 
فالإيمان هُو عطية من الله، والأعمال والتُوبة بمعُونة الرُوح القُدس الذي فينا، تُوّبني يارّب فأتُوب، فهي دعُوة من الله، واستجابة من الإنسان، وهُو لا يُريد منك سُوى الإرادة، فهل تأتي إليه؟! 
 
يقُول الرّب: كم مرّةٍ أردتُ أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها، ولم تُريدُوا، والله يُريد أن جميع الناس يخلُصُون، وإلى معرفة الحقّ يُقبلُون، ويقُول: هأنذا واقف على الباب وأقرع، إن سمع أحد صُوتي وفتح الباب، أدخل إليه وأتعشى معه وهُو معي. (مت37:23؛ 1تي4:2؛ رؤ20:3).