ياسر أيوب
رغم رحيله منذ عشر سنوات.. لا يزال إدواردو جاليانو حاضرا برؤيته ومفرداته التى غيرت شكل الكتابة عن كرة القدم فى العالم.. وأصبح أكثر حضورا فى استاد تى كيو إل بمدينة أوهايو الذى استضاف السبت الماضى مباراة فى مونديال الأندية بين بروسيا دورتموند الألمانى وصن داونز الجنوب إفريقى.. واضطر اللاعبون والحكام للجرى ومعهم ١٤ ألف رجل وامرأة فى المدرجات مارسوا الفرجة تحت شمس النهار الساخنة القاسية.. ولأول مرة فى تاريخ كرة القدم.. فوجئ الجميع بقرار مسؤولى بروسيا دورتموند بعدم جلوس اللاعبين الاحتياطيين على المقاعد المخصصة ومشاهدة زملائهم والمباراة فى الظل عبر شاشة داخل غرفة الملابس الخاصة بهم.. وهكذا استعادت هذه المباراة إدواردو جاليانو وكتابه الشهير جدا بعنوان كرة القدم فى الشمس والظل.. ولم يكن جاليانو الأديب والروائى والكاتب الكبير من أوروجواى يتوقع حين قدم هذا الكتاب للعالم ١٩٩٥ أنه سيقوم بثورة حقيقية فى الكتابة عن كرة القدم.. فقد نجح جاليانو فى إزالة الكثير من الحواجز واختصار مسافات طويلة بين كرة القدم والثقافة والأدب والتاريخ.
واستطاع إقناع المثقفين بعدم الخجل من الاهتمام والانشغال بكرة القدم مثلما نجح فى إقناع أهل كرة القدم بأن لعبتهم تصلح لتفسير الكثير من أمور الحياة وحكاياتها.. فالكتاب تمت ترجمته لمختلف لغات العالم ونال تقديرا واهتماما وشهرة لم يسبق أن حظى بها أى كتاب سابق عن كرة القدم.. ورغم كتب كثيرة مهمة جدا لجاليانو أشهرها الشرايين المفتوحة لأمريكا اللاتينية عن استنزاف القارة طيلة ٥٠٠ سنة.. والثلاثية التاريخية بعنوان ذاكرة النار.. وأيام وليالى الحب والحرب.. بقى كتاب كرة القدم فى الشمس والظل هو الأشهر فقط لأنه أدخل قراء كثيرين لعوالم جديدة.. فالسياسيون والمثقفون والمفكرون استجابوا له ومنحوه لقب شاعر كرة القدم.. وأهل الكرة بدأوا معه يقرأون عن التاريخ والحياة والحروب والإنسان.. ولم يكن عنوان الكتاب فقط والشمس والظل هو فقط ما استعاد إدواردو جاليانو لملعب مباراة السبت الماضى.
فسعادة جماهير صن داونز بأداء فريقها رغم الخسارة كانت تشبه ما قاله جاليانو حين أهدى كتابه لهؤلاء الذين يستمتعون بكرة القدم سواء فائزين أو خاسرين.. والانتقادات الكثيرة الموجهة لحارس مرمى صن داونز تشبه ما سبق أن قاله جاليانو عن أى حارس مرمى أو الوحيد الذى يرتدى ثيابا مختلفة ويظل واقفا فى مكانه ينتظر الحكم بإعدامه.. وحكايات ومعانٍ أخرى كثيرة كروية وإنسانية أشار إليها إدواردو جاليانو الذى لم يكمل تعليمه وأصبح من أهم وأشهر الكتاب اللاتينيين.. وأدخله انقلاب عسكرى فى أوروجواى السجن وبعدها عاش منفيا فى الأرجنتين ثم إسبانيا ليموت بالسرطان ٢٠١٥ فى أوروجواى.
نقلا عن المصرى اليوم