القمص رويس الجاولى
العصور الوسطى (652-1501)
الإمبراطورية الساسانية:
+++ كان المسيحيون في الإمبراطورية الساسانية ينتمون أساسًا إلى الكنيسة النسطورية (كنيسة المشرق) والكنيسة اليعقوبية (الكنيسة السريانية الأرثوذكسية). على الرغم من أن هذه الكنائس حافظت في الأصل على علاقات مع الكنائس المسيحية في الإمبراطورية الرومانية، إلا أنها كانت مختلفة في العقائد عن الكنائس الخلقيدونية.
+ وعاش معظم المسيحيين في الإمبراطورية الساسانية على الحافة الغربية للإمبراطورية، في الغالب في بلاد ما بين النهرين، ولكن كانت هناك أيضًا مجتمعات مهمة موجودة في المناطق الشمالية، وهي ألبانيا القوقازية، ولازيكا، وأيبيريا القوقازية، والجزء الفارسي من أرمينيا. تم العثور على مجتمعات مهمة أخرى في جزيرة تايلوس (البحرين الحالية)، والساحل الجنوبي للخليج الفارسي، ومنطقة مملكة المناذرة العربية. بعض هذه المناطق كانت أقرب إلى المسيحية. أصبحت مملكة أرمينيا أول دولة مسيحية مستقلة في العالم في عام 301. في حين أن عددًا من الأراضي الآشورية قد أصبحت مسيحية بالكامل تقريبًا حتى في وقت مبكر خلال القرن الثالث، الا أنها لم تصبح أبدًا دولًا مستقلة.
+ بالرغم من فترة الاضطهادات العنيفة في القرن الرابع الا أن كنيسة المشرق خرجت كمؤسسة قوية في القرن الخامس وأخذت تلعب دورًا محوريًا في الإمبراطورية الساسانية. ويعود ذلك بشكل خاص إلى الطبيعة الإرسالية لهذه الكنيسة التي جذبت العديدين من أبناء الديانات الأخرى إليها. وأصبح من الواضح أن الاضطهاد لم يعد يجدي نفعًا، ولعل هذا السبب الأخير هو الذي دعى الأباطرة الساسانيين في نهاية الأمر إلى الإعتراف بهذه الكنيسة رسميًا من قبل يزدجرد بن سابور عام 409 في محاولة لإضفاء طابع فارسي عليها وجعلها ندًا للكنيسة الرومانية (البيزنطية). غير أنّ، هذه السياسة لم تكن الوحيدة، فسرعان ما حاول يزدجرد الثاني إعادة فرض الزرادشتية على الأرمن والسريان بدون جدوى في منتصف القرن الخامس. وزاد عدد النخب المسيحية في البيروقراطية، وهو تدفق استمر حتى سقوط الإمبراطورية في عام 651. لعل أهم حدث في هذه الفترة كان الخلاف بين نسطور بطريرك القسطنطينية وكيرلس بطريرك الإسكندرية حول استخدام عبارة «ثيوطوكس» (أم الله) في وصف مريم العذراء. ففي حين رفض نسطور وأسقف الرها وبطريرك أنطاكيا هذه التسمية، دعمها كيرلس وسلستين الأول بطريرك روما. بعد قيام الطرفين بعقد مجمعين متوازيين في أفسس في حزيران 431، حدث انقسام بين الأنطاكيين والإسكندريين. غير أن شرخًا حدث عندما غير رابولا أسقف الرها موقفه وتحالف مع كيرلس، فدخل في صراع مع مدرسة الرها التي ظل رئيسها إيباس الرهاوي على موقفه داعمًا لنسطور فتم طرده مع تلاميذه وحرق كتب معلمه ثيودور الموصي. تم عقد الصلح بين بطريركتي أنطاكيا والإسكندرية سنة 433 وكانت من نتائجه تحالف الطرفين وهزيمة نسطور ونفيه إلى مصر حيث توفي سنة 451، كما تم طرد عدد من الأساقفة الذين وجدو في كنيسة المشرق الفارسية ملجئًا لهم.
+ شهد عهد الشاه هرمزد الرابع تسامحًا دينيًا واضحًا، فتم سنة 562 أقرار الحرية الدينية للمسيحيين بشرط أن لا يقوموا بالتبشير ضمن الإمبراطورية، وبالرغم من قيام السلطات بإعدام بعض المتحولين عن الزرادشتية إلا أن المسيحية استمرت بالنمو بشكل ملحوظ. نشب خلاف على حكم الدولة الساسانية بعد وفاة هرمزد انتهى باستيلاء خسرو الثاني على العرش، واتسمت علاقة خسرو بيشوعيهب بالتوتر فالتجأ الأخير إلى ملك المناذرة النعمان بن المنذر حيث توفي لديه. استغل خسرو فرصة شغور البطريركية فعين سبريشوع الذي حضى بدعم الملكة شيرين الآرامية والتي كانت على مذهب كنيسة المشرق في ذلك الحين. وبالرغم من قصر بطريركية سبريشوع إلى أن عهده شهد انتعاشًا للحركة الرهبانية التي منعت في السنوات السابقة؛ فقام إبراهيم الكشكري بإعادة هيكلة الرهبنة السريانية الشرقية، كما شهدت هذه الفترة إنشاء عدة أديرة على سفوح جبل إيزلا في طور عابدين ورث الساسانيون العلاقات العدائية مع الرومان من أسلافهم الپارثيين. وفي القرن الثالث الميلادي، شن الساسانيون عدد من الهجمات على الأراضي الرومانية، واستطاع الرومان استيعاب تلك الهجمات دون أن يفقدوا أيًا من أراضيهم. ورث البيزنطيون الصراع مع الساسانيون في تلك البقعة، وأُضيف إلى البعد السياسي للحروب بينهما بعدًا دينيًا بعد دخول البيزنطيون في المسيحية.