د.ماجد عزت إسرائيل 

تحل علينا اليوم الذكرى السابعة عشرة لرحيل قامة من قامات التاريخ المصري والعربي، الأستاذ الدكتور رؤوف عباس حامد (1939 - 2008). لم يكن رؤوف عباس مجرد مؤرخ وباحث، بل كان مؤسس مدرسة في التاريخ الاجتماعي، غيَّرت من نظرتنا لفهم المجتمعات وتطورها، وخلّفت أجيالًا من الباحثين الذين ساروا على دربه.
 
لقد حمل رؤوف عباس على عاتقه مهمة تجاوز السرديات التقليدية للتاريخ التي تركز على الأحداث السياسية والشخصيات الحاكمة. اتجه بفكره الثاقب نحو دراسة المجتمع من الداخل، كاشفًا عن ديناميكياته، وصراعاته، وتغيراته. فكان سبّاقًا في تقديم أول تاريخ موثق للحركة العمالية المصرية والنقابات، مسلطًا الضوء على نضالات الطبقات الكادحة ودورها في تشكيل الواقع. كما اهتم بتاريخ الملكية الفردية للأرض وصعود الطبقات الجديدة، وهو ما عكس فهمه العميق لتشابك العوامل الاقتصادية والاجتماعية في صياغة التاريخ.
 
ولم تقتصر إسهاماته على النطاق المحلي، بل امتدت لتشمل دراسات مقارنة رائدة، كان أبرزها مقارنته بين التنوير في مصر واليابان، مما أظهر سعة أفقه وقدرته على استخلاص الدروس من تجارب الأمم المختلفة.
 
وفي هذه الذكرى، نستلهم من رؤوف عباس حامد شغفه بالمعرفة، وإخلاصه للحقيقة، والتزامه بتقديم رؤى جديدة تثري فهمنا للماضي والحاضر. إن إرثه الفكري سيبقى منارة تهدي الباحثين والمهتمين بالتاريخ الاجتماعي، وتؤكد أن الأثر الحقيقي للمؤرخ لا يقاس بعدد مؤلفاته فحسب، بل بعمق تأثيره في الفكر وتشكيل الأجيال.