عادل نعمان
لسنا فى خصومة أو عداوة مع رجال الدين، حتى وإن تجرأوا على عقولنا وأطبقوا عليها وعطلوها، بل نحن على خلاف معهم، إلا أننا نفتح كل الأبواب ، لمن شاء المحاورة والمناظرة دون تشدد أو تطرف، فنحن نرى أن المعرفة حق، وأن للناس فيها نصيبًا، وأن سلطة العقل تتجاوز وتتخطى كل الحدود دون قيد أو ضابط، وهذا ليس تسلية أو ترفيهًا، بل هو منحة إلهية نتدبر به خلقه، ونعمر به أرضه، ولن نقف عند رأى «مدرسة النقل» أن ندع العقل عند أبوابهم فهم ينقلون عن الله وهو أعلم بشؤون عباده فى افعل أو لا تفعل، فما كان لله حاجة لعقول هؤلاء البشر إن كان أمر الدين والدنيا دون تدبير أو تفكير!! .

ونحن شركاء لكل هؤلاء فى الوسيلة والهدف، ومساهمون فى الحقيقة التى لا يحق لطرف امتلاك نواصيها، ونحن أيضًا نتحمل المسؤولية والنتائج فى الدنيا نجاحًا أو فشلًا، فلاحًا أو إخفاقًا كل على حدة دون وكيل، وفى الآخرة تُرفع الأعمال على الأعناق «وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِى عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا»، ولن يحمل عنا أحد من هؤلاء وزرًا أو ذنبًا عما تناقلوه أو أفتوا به، فلا أقل من المشاركة والتفكير معًا، فلا إيمان حقيقى إلا بالعقل، ولا تنقية للدين من الأساطير والخرافات سوى بالعقل حتى يقبله ويعتمده العقلاء، فيرى الله كما يجب أن يراه ويؤمن به ويعبده كما يجب أن نؤمن به ونعبده.

والواجب على رجال الدين أن يترفقوا بالناس وعقولهم، فإذا تناولوا أمرًا فإن الحكمة تقتضى ألا نبعده عن نطاق المنطق والعقل، مهما كان للرواية من تأصيل تاريخى، فمثلًا لا أفرض على الناس زواج صغارهم الزغب، حتى لو كان سندهم زواج النبى من عائشة الصغيرة، فقد كان سلوكًا اجتماعيًا وليس دينيًا، زُوِّج به المؤمنون كما زوِّج به المشركون. ولا يصح مثلًا أن يفتى أحد مشايخهم بفتوى (فرضية) أن النبى لو وقعت عيناه على أى امرأة وجب على الزوج تطليقها وتزويجها للنبى، امتحانًا لإيمان الزوج (رياضة الشعراوى الإيمانية) كما فعل زيد بن ثابت مع زينب بنت جحش، فليست الواقعة محل استدلال، ولا يجوز القياس عليها، ولا يستنبط منها الحكم، ولا تؤخذ الأحكام إلا بنص واضح وصريح وليس من القصص القرآنى، فهو للعظة والعبرة، والنبى ليس بيننا الآن حتى نفترض إمكانية تكرار الفعل . وكذلك فإن آية (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ) ليس من المقبول أن تسرى على رجال المسلمين ونسائهم إذا وقعت عين النبى على إحداهن، فيجب على بعلها تطليقها كرامة للنبى، وليس تكرار الحادثة أمرًا وجوبيًا أو واقعيًا، وما كانت سنة وجب علينا اتباعها أو التأسى بها، فإن الله لا يرضى بخراب بيوت كل من وقعت عين النبى عليها، ناهيك أن رواية أخرى عن امرأة رفضت أن تهب نفسها للنبى حين طلب منها ذلك، فقد ردت طلبه وقالت (وهل تهب الملكة أو الحرة نفسها للسوقة؟) فكيف تكون الحادثة الأولى سنة يهتدى بها، والثانية نسقطها من الحسبان؟.

ولأن الله عليم بمقاصده وتفاسيره وحده، والقرآن كما قالوا حمال أوجه، ينطق به الرجال، فإن للقرآن الكثير من التفاسير، والأكثر من التأويلات، وقد أقام هؤلاء المشايخ حاجزًا صلدًا بين المسلم والنص، وفرضوا تفاسير وتأويلات ثابتة دون تحديث، فترى كل فريق حين يبحث عن مقصده يجد له ما يبرر ه فى القرآن، فإن القرآن يحمل فى نصوصه آيات الموادعة والسلام لمن يبحث عن السلام والموادعة، ويحمل القرآن أيضًا آيات للقتل والعنف لمن يجد ضالته وغايته فى العنف والقتل أيضًا دون حرج، ولا يمكن أن ينسخ الله السلام بالقتل، والموادعة والمصافحة بسفك الدماء، إلا أن مبدأ مطلق اللفظ قد وضعنا فى هذا التناقض والتخبط، ولو وضعنا كل آية من آيات الله فى سياقها التاريخى ومقاصدها وغاياتها، «سبب النزول» أى سبب الحكم لا يتعداه ولا يتجاوزه، فإن الحكم يكون مرهونًا بالعلة يدور معها وجودًا وعدمًا، ويكون أصل الدين هو المحبة والسلام والصفح، وأن الاستثناء هو القتال إذا كُتب على المسلم وأُجبر عليه «جهاد الدفع» ليس غير ولا يتجاوزه.

ولاانكر ان هؤلاء نغصوا عليه حياته، وعسروا عليه أيامه ، وأستوحشوا عليه مماته، فما استعصى أمر على الفهم قدر سبر أغوار الأديان، فهى تحمل من الألغاز والأساطير اكثر مما تحمله من الظهور والوضوح، ومن الموضوع والمصنوع اكثر من الصحيح والموثوق

، ودعنا نؤكد ان للأديان أساطيرها الخاصة بها، وقد كانت ظهيرا داعما فيما مضى، إلا ان العلم الذى عارضها وقاطعها يحتم على رجال الدين الإستغناء عن هذه الأساطير، فإن الناس قد إقتنعوا ان العلم والعمل هما الملجأ وطريق النجاح ، فهم لايجدون غضاضة فى رد كل مظاهر الفشل والإخفاق الى الانحراف عن منهج الله، والبعد عن تقوى الله، ويباعدون بينهم وبين العلم والعمل، وهذه الأعذار بعيدة عن المنهج العلمى الذى يبحث عن الأسباب والحل العلمى بعيدا عن الخرافات

وأخيراً يظل الخلاف قائم طالما يحول رجال الدين بين العقل ومهامه التى كفلها الله له.

( الدولة المدنية هى الحل )
نقلا عن المصرى اليوم