*دياكون ديسقوروس*
ثانيًا: المنهج العام وخط الكتابة في دفاعاته
1- كان يوقر السلطان المطلق للإنجيل:
أدرك البابا أثناسيوس أن الكتاب المقدس هو ذاك الأسد الذي يملك كل مقومات الدفاع عن نفسه أمام أي هجوم، فأعلن إيمانه بالسلطان المطلق، حتى إنه وُصِف بأن صاحب غيرة نارية وشغف بالكتاب المقدس وتوقير مطلق لسلطانه\[16].
فيقول:
"لأنها نصوص قد نُطق بها وكُتبت من الله على أيدي أناس تكلموا من الله"\[17].
ويقول أيضًا:
"والآن فإن هدف الكتاب المقدس وميزته الخاصة كما قلنا مرارًا هو أنه يحوي إعلانًا مزدوجًا عن المخلص: أي أنه كان دائمًا إلهًا، وأنه هو الابن إذ هو كلمة الآب وشعاعه وحكمته، ثم بعد ذلك اتخذ من أجلنا جسدًا من العذراء مريم والدة الإله، وصار إنسانًا. وهذا الهدف نجده في كل الكتب الموحى بها، كما قال الرب نفسه: "فتشوا الكتب، وهي تشهد لي" (يو 5: 39)..."\[18].
2- تمسك بالتقليد الكنسي الرسولي:
يرى نيافة الأنبا بيشوي أن القديس أثناسيوس حصل على لقب "الرسولي" لأنه هو وحده حفظ الإيمان الذي بشر به الاثنا عشر تلميذًا والاثنان والسبعون، بمعنى أن ما عمله الرسل، حافظ عليه القديس أثناسيوس\[19].
كما أنه لم يخترع إيمانًا، بل تسلمه من معلمه البابا ألكسندروس، وشرحه ودافع عنه. وهذا هو مجد المدافعين عن الإيمان\[20].
ورغم أن البعض اليوم يعيب على الكنيسة صلابتها وتمسكها بالتقليد، فإن هذه هي نفس الصفات التي حفظت المسيحية من الوثنية، ويُشاد بها اليوم بعدما كانت تُهاجَم\[21].
كان البابا أثناسيوس محور اللاهوت والكنيسة في العصر النيقاوي، لذا لُقِّب بأبو الأرثوذكسية، ودُعي بالمنبر الأعظم، وحجر الزاوية في الكنيسة المقدسة، وأسقف الأساقفة، ورأس كنيسة الإسكندرية\[22].
وقد جمع بين أمرين: استلام الإيمان من معلمه، والدفاع عنه بحجة قوية. وعندما دافع في نيقية، كانت حجته كالمطرقة، حتى قال له الإمبراطور: "أنت بطل كنيسة الله"\[23].
ويقول:
"بحسب الإيمان الرسولي المسلم لنا بالتقليد من الآباء، فإني سلمت التقليد بدون ابتداع أي شيء خارجًا عنه. فما تعلمته، فذلك قد سطرته مطابقًا للكتب المقدسة"\[26].
3- استخدم الأسلوب التعليمي:
تميّز أسلوبه بأنه تعليمي أكثر منه هجوميًا، فكان يرعى ويعلّم، وإن استخدم أحيانًا الهجوم لتعليم الشعب، بلغة بسيطة ومباشرة\[27].
ويقول:
"فمن الجلي أن الجميع قد صاروا أبناء من خلاله. وكان هو قبل الجميع، وبالحري فهو الابن الحقيقي وحده، وهو وحده إله حق من إله حق..."\[28].
4- استخدامه للأسلوب الهجومي لشرح الإيمان:
كان لا يدخر وسعًا في مواجهة المعترض، لكنه كان يستخدم الهجوم كأداة شرح وتعليم، فجمع بين القوة والعمق والروحانية.
يقول:
"فحيث إن مثل هذه المحاولة هي جنون خطير، بل أكثر من جنون، فليس لأحد أن يسأل بعد مثل هذه الأسئلة، بل عليه أن يتعلم فقط ما هو في الكتب المقدسة"\[30].
5- وضع المصطلحات اللاهوتية لقطع خط الرجعة على الهراطقة:
بذكاء وقيادة الروح، صاغ مصطلحات دقيقة لا تسمح بالالتفاف، وأشهرها "Homoousion" (واحد مع الآب في الجوهر)، حتى صار اسمه ملازمًا لعقيدة الثالوث\[32].
6- صياغة التعليم بفلسفة صامدة غير قابلة للدحض:
كان يعيد بناء الإيمان الكنسي بفلسفة مضادة للفكر الوثني والهرطقات، مؤكدًا أن أزلية الابن ضرورة لاهوتية، وأنه لا يمكن أن يكون الله بلا كلمة أو نور أو حكمة\[34]\[35].
7- كان يشرح قصور الآخر ونقاط ضعفه وسبب هجومه:
بذكاء روحي وحنكة حوارية، كان يكشف أمراض المعترض اللاهوتية، ويشرح تناقضاته، كما فعل مع الأريوسيين، وفضح مراوغاتهم أمام المجمع.
يقول:
"أتعجب من الوقاحة التي جعلت الأريوسيين لا يزالون يعترضون مثل اليهود... فهم متغيرون ومتقلبون في آرائهم مثل الحرباء..."\[36].
ويقول:
"فاليونانيون يناقضون أنفسهم، فإنهم يسخرون مما لا يدعو إلى السخرية، وفي ذات الوقت لا يشعرون بالخزي الذي هم فيه..."\[38].
*خاتمة الفصل:*
إن الحديث عن القديس أثناسيوس يحتاج إلى مئات الأبحاث، لكن الباحث اكتفى بعرض السمات والمنهج، مع قليل من أقواله التي حمت الإيمان على مر العصور.
*دياكون ديسقوروس*