القمص رويس الجاولى
+++ الخلافة العربية الإسلامية:
+ لم يؤثر ظهور الخلافة الإسلامية على أنقاض الدولة الساسانيّة بشكل ملحوظ على كنيسة المشرق في البداية. حيث سرعان ما حاول يشوعيهب الثاني التوصل إلى ضمان الحرية التي كانوا يتمتعون بها في أواخر عهد الساسانيين. كما استمرت المنافسة بين الكنيسة السريانية وكنيسة المشرق على نيل رضا الحكام الجدد حيث غالبًا ما تمكن أحد الطرفين من إقناع الحكام المسلمين الحصول على امتيازات على حساب الطرف الثاني عن طريق رشوة الحكام. وقد رحب الآشوريون السريان في بلاد فارس بقدوم المسلمين الذين لم يحدوا من حريتهم الدينية كما فعل البيزنطيون الساسانيون بشكل عام، كما كان للتقارب اللغوي بين العربية والسريانية سببا آخر لتقارب الشعبين. وفرضت على مسيحيي الخلافة الإسلامية ضريبتا الجزية والخراج وأعفوا من الالتحاق بالجيوش الإسلامية، غير أنهم منعوا من نشر المسيحية داخل أراضي الدول الإسلامية.
+ اتسمت هذه الفترة عموما بالتسامح الديني ما خلا فترات حكم بعض الخلفاء مثل عمر بن عبد العزيز الذي فرض ضرائب طائلة على المسيحيين وسن عليهم قيودا في الملبس والتنقل.
قام طيموثاوس الأول بتحويل كرسيه من كاتدرائية كوخي بقطيسفون إلى دير الجاثليق على الضفة الغربية لدجلة في بغداد. وعمل البطريرك النسطوري طيموثاوس الأول على تهيئة المرسلين إلى آسيا وذلك بتدريسهم كل من الفلسفة واللاهوت بالإضافة إلى ثقافات ولغات الشعوب الأخرى. كما دعى عدة كنائس أخرى لمشاركة نشاطه ويظهر ذلك في رسالته إلى دير مارون يخبرهم فيها بحاجته إلى مبشرين بين الترك بعد موافقة ملكهم على نشاطهم. حققت سياسته نجاحا كبيرًا ويظهر ذلك من خلال قيامه بتأسيس عدة مطرانيات وأبرشيات في الهند والتيبت والصين واليمن وحول بحر قزوين. وعرف عنه كذلك غزارة مؤلفاته ومعرفته الفلسفية واللاهوتية العالية ومعرفته بعدة لغات، ولم يحفظ من أعماله التي تزيد على 200 بحسب المؤرخ عبديشوع بار بريخا سوى 50، لعل أبرزها مناظرته مع الخليفة المهدي. وقام بعض الرهبان النساطرة بالسفر إلى أواسط آسيا والصين لنشر المسيحية فيها بسبب القيود التي فرضت على نشر المسيحية بين المسلمين في المشرق، فازدهرت كنيسة المشرق في تلك البقاع واعتنقت أعداد كبيرة من الفرس والترك والهنود والصينيين والمغول الديانة المسيحية، وأصبحت كنيسة المشرق إحدى أكثر الفروع المسيحية انتشارًا، ووصلت أوج قوتها بين القرنين السادس والرابع عشر حيث كانت حينئذ أكبر كنيسة انتشاراً جغرافياً ممتدة من مصر إلى البحر الأصفر.
+ شهدت بداية القرن التاسع ظهور عدد كبير من الكتب الدينية المسيحية بالعربية بدلاً من السريانية، فبالرغم من كتابة طيموثاوس الأول لأعماله بالسريانية غير أنها سرعان ما كانت تترجم للعربية. من أبرز من ألف بالعربية كذلك السكرتير البطريركي أبو الفضل علي بن ربان النصراني، وعمار البصري وإسرائيل الكشكري، على أن أهم لاهوتيي كنيسة المشرق كثيودور بار قوني استمروا بالتأليف بالسريانية التي تطورت مفرداتها الأدبية بشكل ملحوظ. كما نشط الآشوريين النساطرة واليعاقبة في الترجمة من اليونانية إلى السريانية ومن ثم للعربية وخاصةً في عهد الدولة العباسية حيث كان معظم المترجمين في بيت الحكمة من اليعاقبة والنساطرة وقد برزوا أيضا بالطب والعلوم والرياضيات والفيزياء فاعتمد عليهم الخلفاء، واستفادوا من المدارس التي ازدهرت فيها العلوم قبل قيام الدولة العربية خصوصاً مدارس مدن «الرها ونصيبين وجنديسابور وإنطاكية والإسكندرية» المسيحية والتي خرجت هناك فلاسفة وأطبّاء وعلماء ومشرّعين ومؤرّخين وفلكيّين، وحوت مستشفى ومختبرًا ودار ترجمةٍ ومكتبةً ومرصد.
+ ومن أبرز العلماء والأطباء في تلك الفترة أسرة بختيشوع القادمة من بلاد فارس الذين خدموا كأطباء للخلفاء العباسيين، ويوحنا بن ماسويه مدير مشفى دمشق خلال خلافة هارون الرشيد، وحنين بن إسحاق المسؤول عن بيت الحكمة وديوان الترجمة وابنه إسحاق بن حنين، وحبيش بن الأعسم وغيرهم. وأصبحت بغداد عند إنشأها مركزا لكنيسة المشرق وكان بطاركتها غالبا ما ينادمون الخلفاء العباسيون.