بقلم د. ق يسطس الأورشليمى
كتاب وباحث في التاريخ المسيحى والتراث المصرى
 وعضو إتحاد كتاب مصر 
 
وأنت تصلى يجب أن تعرف أنك تقدم ذبيحة أمام الله. فلا تدع الملاك الذي يحمل صلواتك لله يقدم ذبيحة معيبة مرفوضة من الله لأنه حينما تطلب المغفرة في صلواتك يجب أن تغفر للآخرين أيضا عملا لا قولا فقط. عليك أن تفعل ما تقول وأن ينطق لسانك بالحق وإلا صرت مخادعا لله لأن الله ليس إنسانا يموت فتغشه، فإذ قلت " أنا سأغفر للآخرين " يجب فعلا أن تغفر لهم وإلا فأنت تدين نفسك بسبب صلواتك الغاشة لأنه " إذ أخطأ إنسان إلى إنسان يدينه الله فإن أخطأ إنسان إلى الرب فمن يصلى له " ( 1صم 20: 25 ).
 
أنصت إلى قول إلهنا " فإن قدمت قربانك قدام المذبح وهناك تذكرت أن لأخيك شيئا عليك فأترك هناك قربانك قدام المذبح واذهب أولاً واصطلح مع أخيك وحينئذ تعال وقدم قربانك" ( مت 5: 23، 24 ). لذلك إذ وقفت للصلاة ولا تريد أن تغفر للآخرين أو لأخيك فتأكد أن الملاك لن يصعد صلواتك لله. أما إذ كانت صلواتك ذبيحة مقبولة أمام الله ستصعد إلى عرش النعمة. لو أن الملاك سمعك تصلى وتقول اغفر لي لأني أغفر للآخرين سيطلب منك أن تغفر أولا للذين عندهم لك دين ليرفع صلواتك للذي يدينك وسيسألك أن تعفو عن الذي تدينه بمائة دينار وحينئذ سيسامحك الله كعظيم رحمته الذي له عندك عشرة آلاف وزنة ولا يسأل منك أي شيء. اعرف إذاً إنك لو غفرت وسامحت الآخرين سيرفع الملاك ذبيحة صلواتك لله ولكن إن لم ترد أن تغفر للآخرين ستبقى تقدمتك على الأرض وبدلا من أن تنال المغفرة ستقدم حساب وكالتك للديان عن تقدمتك غير الطاهرة.
 
استمع إلى ما يقوله ملاخى النبي " ملعون الماكر الذي يوجد في قطيعه ذكر وينذر ويذبح للسيد عائبا" ( ملا 1: 14 ). وفى موضع آخر يقول "قدمه لواليك أفيرضى عليك أو يرفع وجهك" ( ملا 1: 8 ).
 
يقول قداسة البابا شنودة الثالث: علمنا الرب أن نقول في الصلاة الربية " اغفر لنا خطايانا ، كما نغفر نحن أيضاً للمذنبين إلينا "( مت 5: 12) . والواقع أن هذه الطلبة تحوي الكثير من التأملات ، منها : 
عبارة " اغفر لنا خطايانا "" تحوي اعترافا بأننا خطاة . 
 
وفي بعض الترجمات " اترك لنا ما علينا " أو "اترك لنا ديوننا " والقديس أوغسطينوس يقول: "إننا نطلب أن يغفر لنا ما علينا لأننا مديونون " .. كان القديس أوغسطينوس أسقفاً ، ولكنه أيضاً كان يصلي هذه الصلاة. والقديس يوحنا الرسول يؤكد علي هذا المعني ويقول : " أن قلنا إننا بلا خطية نضل أنفسنا وليس الحق فينا " (1يو 1:8) .
 
كذلك القديس يعقوب الرسول يقول بالمثل " أننا في أشياء كثيرة نعثر جميعاً "(يع 3: 2) . والقديس بولس يدعو نفسه "أول الخطاة " والكنيسة تعلمنا في صلواتها ، أنه ليس أحد بلا خطية ، وإن كانت حياته يوماً واحداً علي الأرض .. لذلك نحن نقف للصلاة نقول للرب "اغفر لنا " .. فهكذا علمنا … 
إن كان أحد بلا خطية فلا داعي لأن يقول هذه الطلبة ! 
 
ولكن الكتاب المقدس سجل لنا خطايا وقع فيها الآباء والأنبياء، قال إن الخطية طرحت كثيرين جرحي وكل قتلاها أقوياء " هذه الطلبة إذن، تعطينا فكرة أننا محتاجون إلي الخلاص كل يوم .. ولعل البعض يسأل هنا:
 
ما معني الخلاص إذن والتجديد اللذين نلناهما في المعمودية ؟  
ما معني عبارة " من آمن واعتمد خلص "( مر 16: 16) . وما معني " جدة الحياة " وصلب الإنسان العتيق !" ( رو 6: 4، 6) ؟ وما معني قول الرسول " لأن جميعكم الذين اعتمدتم للمسيح ، قد لبستم المسيح "( غل 3: 27)؟ حقاً إننا نلنا كل هذا في المعمودية ، ولكن هناك ملاحظة هامة وهي:
 لقد اخذنا في المعمودية تجديداً ولكن لم نأخذ فيها عصمة. فلا يوجد إنسان معصوم، بل ما اعجب قول يعقوب الرسول عن القديس العظيم إيليا النبي " أيليا كان إنساناً تحت الألام مثلنا " ( يع 5: 17). بعدم العصمة قد نسقط، وبالنعمة وعمل التوبة نقوم، ونقول للرب عن سقطاتنا " أغفر لنا " أننا تعمدنا، ولكننا ما زلنا مديونين. ليس لأن شيئاً قد بقي ولم يغفر لنا في المعمودية! ولكن لأننا في حياتنا نعمل كل ما يحتاج إلى غفران يومي .. حقاً إنه في المعمودية قد غفرت لنا خطايانا ولكننا في كل يوم نخطئ خطايا جديدة تحتاج إلي مغفرة . 
 
أن الذين اعتمدوا، وفي الحال فارقوا هذه الحياة، هؤلاء قد صعدوا من جرن المعمودية بلا دين عليهم. أما الذين اعتمدوا ، ومازالوا موجودين في هذه الحياة ، فإنهم يرتكبون نجاسات بسبب ضعفهم المائل. نعم في كل يوم نخطئ إلى الله، مهما كنا ومهما ارتفعنا. لذلك فإننا نقول لله في كل يوم: اغفر لنا ما علينا .. نعم بسبب الخطايا اليومية، ومن الضروري أن نقول في هذه الصلاة: أغفر لنا.
 
أن الذي ترتفع نفسه فوق هذه الطلبة، يكون محارباً بالبر الذاتي . وذلك لأننا مديونين أمام الله. وفي قصة المرأة التي غسلت قدمي المسيح بدموعها ومسحتها بشعر رأسها، قال الرب لسمعان  الفريسي. " إنسان كان له مديونان ، علي الواحد خمسمائة دينار ، وعلي الأخر خمسون ، وإذا لم يكن لهما ما يوفيان ، سامحهما جميعاً " ( لو 7: 41) . وبنفس المعني، ذكر السيد المسيح مثل العبد المديون المدان الذي سامحه سيده إذ لم يكن له ما يوفيه ( مت 18: 27). كل منا يقف أمام الله مديوناً، عاجزاً عن وفاء ديونه، لأن أجرة الخطية هي موت، ولا وفاء إلا بتلك الفدية التي قدمت عنا علي الصليب. إذن في قولنا " اغفر لنا " نعني طلبنا بأن تمحي هذه الخطايا بالدم الكريم ، ويحملها الرب عنا … طلبة المغفرة ينبغي أن يقولها المصلي من كل قلبه لأنه في وقت السقوط ، أو في ساعات التوبة ، قد يصلي الإنسان من قلبه طالباً مغفرة خطاياه. أما في أوقات العزاء الروحي والنعمة وفي أوقات الخدمة الناجحة والعمل لأجل الملكوت … ربما في هذه كلها، لا يشعر المصلي بخطاياه ولا يذكرها، لأنه لا يتذكرها، البر الحالي الذي يعيش فيه، ينسيه الأخطاء التي وقع فيها ..! ولذلك فلكي لا يقع في البر الذاتي، ويظن في نفسه أنه شئ وضع له الرب أن يصلي هذه الصلاة أنه خاطئ … 
 
لذلك أجلس وحاسب نفسك:
تذكر خطاياك حتي تطلب من أجلها توبة. واذكر ان بولس الرسول قال " أنا الذي لست مستحقاً أن ادعي رسولاً ، لأني اضطهدت كنيسة الله " مع أن ذلك كان في الماضي، فعله لما كان شاول الطرسوسي.. ومع ذلك كانت خطيته أمامه في كل حين، تجلب له الاستحقاق والشعور بعدم الاستحقاق، فيقول كنت من قبل " مفترياً ".. ولم ينسها. وداود النبي أيضاً بكي علي خطاياه حتي بلل فراشه بدموعه، كل ذلك بعد أن أخذ وعداً بالمغفرة، لأنه قبل ذلك ما كان يدري تماماً ما هو فيه إلى أن نبهه ناثان …  وما أجمل قول القديس الأنبا أنطونيوس في تذكر الخطايا: إن ذكرنا خطايانا ينساها لنا الله. وإن نسينا خطايانا يذكرها لنا الله" 
 
فما أعمق ذلك الإنسان الروحي، الذي مهما نال من مغفرة وخلاص، لا ينسي مطلقاً أنه خاطئ، ليس فقط بالنسبة إلي القديم، وإنما بالنسبة إلى الحاضر أيضاً. لأنه بهذا الأمر قد تبرر العشار دون الفريسي. الفريسي لم يقل مطلقاً في صلاته " اغفر لنا "  . بل قال ذلك العشار في طلبته المنسحقة. وقد ضرب الرب لنا هذا المثل حتي يكون لنا أنموذجاً في حياتنا الروحية. 
 
بل مبارك من يشعر أنه أكثر خطية من غيره: 
يري دائماً الخشبة التي في عينه ، قبل أن يتأمل القذي الذي في عين أخيه .. لذلك فإن الذي يصلي قائلاً " أغفر لنا "، لا يمكن أن يقع في إدانه غيره، أن كان يطلب هذه الطلبة من عمق قلبه … إنه لا يدين غيره، إنما يطلب لغيره المغفرة كما يطلبها لنفسه. وبنفس الوضع لا يطلب النقمة لمن أساء إليه، بل المغفرة … الإنسان الروحي يشعر أنه أكثر خطية من غيرة. على الأقل لأن الذي يعرف أكثر يطالب بأكثر … ربما غيره أخطأ عن جهل ، أما هو فعن معرفه. ربما غيره أخطأ عن ضعف، أما هو فبلا عذر. 
 
إن أمنا حواء لم تقل " اغفر لنا "، ولا قال أبونا آدم هذه الطلبة، بل حاول كل منهما أن يلتمس عذراً لنفسه، أو يلقي بالمسئولية على غيره أنما المصلي هنا لا يبرر ذاته . إنه يعترف تماما أنه مخطئ وأن ما يلزمه ليس العذر، وإنما المغفرة. لذلك فهو يطلبها دون أن يبرز ذاته، أو ينفي المسئولية عن نفسه 
ونحن نطلب المغفرة عن كل الخطايا، سواء التي أخطأنا بها على الله، أو إلى أخوتنا من البشر. 
 
فالخطية موجهة أصلاً إلي الله: 
والمرتل يقول في المزمور الخمسين " لك وحدك أخطأت والشر قدامك صنعت " إن كل خطية هي عصيان لله، وعدم محبة له، وكسر لوصيته حتى التي طالبنا فيها بمحبة القريب. فحينما نخطئ إلى البشر نكون قد أخطأنا إلى الله أيضاً. ولذلك فنحن نطلب منه المغفرة وليس منهم فقط. ونحن بهذه الطلبة نتذكر صفه في الله وهي أنه غفور. لولا أن الله غفور ما كنا نطلب منه المغفرة. 
 
إننا نذكر وعوده التي قال فيها " من يقبل إلي لا أخرجه خارجاً ". ونتذكر وعوده في سفر أشعياء حينما قال " هلم نتحاجج يقول الرب. إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيض كالثلج .." ( أش 1: 18) . بل نحن واقفون أننا حينما نطلب المغفرة سنبيض أكثر من الثلج ( مز 50) ونذكر قول دواد النبي عن الرب : " لم يصنع معنا حسب خطايانا، ولم يجازنا حسب آثامنا. بل مثل ارتفاع السموات عن الأرض، قويت رحمته علي خائفيه. كعبد المشرق عن المغرب أبعد معاصينا. لأنه يعرف جبلتنا. يذكر أننا تراب نحن "( مز 103) .