بقلم: هاني صبري - الخبير القانوني والمحامي. بالنقض
وافق مجلس النواب المصري، نهائيا على مشروع تعديل قانون الإيجار القديم، المقدم من الحكومة، بما يعيد صياغة العلاقة بين المالك والمستأجر ويعيد التوزان نوعا ما للسوق العقاري المصري، في إطار تدريجي ، ونري لكي يكون مشروع القانون يراعي العدالة الاجتماعية ويضمن الحقوق دون الإضرار بالمصالح لطرفي العلاقة الإيجارية عدم طرد المستأجر الأصلي ويكون الامتداد لورثته من بعده للدرجة الأولي فقط.
ويأتي هذا التعديل التشريعي تنفيذاً لحكم المحكمة الدستورية العليا، الصادر بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادتين (1 و2) من القانون رقم 136 لسنة 1981، الذي كان يثبت القيمة الإيجارية السنوية للأماكن السكنية عند نسبة 7% منذ تاريخ نفاذ القانون، مما أفرز خللاً عميقًا طال أمده بين حقوق المالكين وقدرات المستأجرين.
رأت المحكمة الدستورية في حكمها أن تثبيت الأجرة لمدد طويلة أضر بحقوق الملكية، وحجب عوائد عادلة لاستثمار العقارات. وشددت على ضرورة أن تستند القيمة الإيجارية إلى ضوابط موضوعية تراعي التوازن بين العرض والطلب، وحماية الطرف الأضعف دون إهدار حقوق الطرف الأقوى.
إلى من يسري القانون الجديد؟
وفقًا للمادة (1) من القانون الجديد، تسري أحكامه على الأماكن المؤجرة لغرض السكنى، وكذلك الأماكن المؤجرة للأشخاص الطبيعيين لغير غرض السكنى، والتي كانت تخضع للقانونين رقمي 49 لسنة 1977 و136 لسنة 1981.
وضع القانون إطارًا زمنيًا لإنهاء العقود القديمة:
• عقود السكنى: تنتهي بعد 7 سنوات من تاريخ العمل بالقانون.
• العقود لغير غرض السكنى: تنتهي بعد 5 سنوات.
ما لم يتم التراضي على الإنهاء قبل ذلك.
أناطت المادة (3) بالمحافظين تشكيل لجان حصر تتولى تقسيم المناطق إلى:
• متميزة
• متوسطة
• اقتصادية
ويعتمد التقسيم على عدة معايير منها الموقع الجغرافي، نوعية البناء، البنية التحتية، والخدمات المتاحة. ويُنتظر من هذه اللجان الانتهاء من أعمالها خلال 3 أشهر، قابلة للتجديد بقرار من رئيس الوزراء.
حددت المادة (4) القيم الإيجارية وفقًا لمستوى المنطقة، كالآتي:
• مناطق متميزة: 20 ضعف القيمة القانونية الحالية، بحد أدنى 1000 جنيه شهريًا.
• المتوسطة: 10 أضعاف، بحد أدنى 400 جنيه.
• الاقتصادية: 10 أضعاف، بحد أدنى 250 جنيهًا.
وحتى انتهاء عمل لجان الحصر، يُلزم المستأجر بسداد 250 جنيهًا شهريًا لحين صدور التقديرات النهائية وسداد الفروق إن وجدت على أقساط متساوية.
حددت المادة (5) أن تكون القيمة الإيجارية للأماكن غير السكنية المؤجرة للأشخاص الطبيعيين خمسة أمثال القيمة السارية حاليًا.
نصت المادة (6) على تطبيق زيادة سنوية بنسبة 15% للقيمة الإيجارية المحددة.
وفق المادة (7)، يلتزم المستأجر بالإخلاء:
1. إذا ترك المكان مغلقًا لأكثر من عام دون مبرر.
2. إذا امتلك وحدة بديلة تصلح لنفس الغرض.
وفي حال الرفض، يُمكن للمالك اللجوء لقاضي الأمور الوقتية لإصدار أمر بالطرد الفوري، مع احتفاظ المستأجر بحق الاعتراض عبر دعوى موضوعية.
بموجب المادة (8)، يحق للمستأجر أو من امتد إليه العقد تقديم طلب للحصول على وحدة بديلة – إيجارًا أو تمليكًا – من الدولة، خاصة للفئات الأولى بالرعاية، مقابل إقرار بإخلاء الوحدة المستأجرة الأصلية. وتلتزم الدولة بإصدار قواعد الأولوية والتخصيص خلال 30 يومًا من تاريخ بدء العمل بالقانون.
بحسب المادة (9)، يتم إلغاء قوانين الإيجار القديمة (رقم 49 لسنة 1977، 136 لسنة 1981، و6 لسنة 1997) بعد مرور 7 سنوات من تاريخ بدء العمل بالقانون، بما ينهي جدلًا امتد لعقود، ويفتح صفحة جديدة للسوق العقاري.
متى يدخل القانون حيّز التنفيذ؟
تنص المادة (10) على أن القانون يدخل حيز التنفيذ اعتبارًا من اليوم التالي لنشره بالجريدة الرسمية.
أن مشروع هذا القانون يهدف إلى إعادة تنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر بعد عقود من الجمود التشريعي، خاصة فيما يتعلق بنظام الإيجار القديم. ويعد هذا المشروع خطوة تشريعية مثيرة للجدل، خاصة أنه يمس ملايين المواطنين من طرفي العلاقة الإيجارية.
التساؤل الذي يطرح هنا هل مشروع هذا القانون فيه شبهة عدم الدستورية من عدمه ؟.
في تقديري الشخصي ان مشروع هذا القانون، فيه شبهة عدم دستورية قوية تحيط به، ويمكن تفصيلها كما يلي:-
1. مخالفة مبدأ الأمن القانوني واستقرار المراكز القانونية:
• أن عقود الإيجار القديمة نشأت في ظل قوانين سارية، وامتدت بناءً على نصوص تشريعية واجبة النفاذ.
• المساس بهذه العقود بأثر رجعي يهدر مبدأ استقرار العلاقة القانونية بين الأطراف.
جدير بالذكر أن عقد الإيجار هو حق مالي ينتقل إلى ورثة المستأجر بوفاته وفقاً لحكم المادتين 601، 602 من القانون المدني والتي تحكم العلاقات الإيجارية عند عدم وجود ما يخالفها في قوانين إيجار الأماكن.
2. حكم المحكمة الدستورية العليا سنة 2002:
• في القضية رقم 70 لسنة 18 قضائية “دستورية”، أكدت المحكمة أن الامتداد القانوني لعقود الإيجار لغير أغراض السكني لا يجوز المساس به تعسفًا ما لم تتوافر مبررات جدية.
• شددت المحكمة على أن المشرع لا يجوز له أن يهدر التوازن العقدي بصورة تخل بمبدأ المساواة أو الحماية الواجبة للطرف الضعيف.
3. الإخلال بمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص:
• المشروع يعامل المستأجرين بطرق مختلفة دون وجود تبرير موضوعي كافٍ، ويُفرق في المعاملة بين الأماكن السكنية وغير السكنية، وبين المستأجرين القدماء والجدد، مما يخل بمبدأ المساواة أمام القانون.
4. تجاهل الحق في السكن كحق دستوري:
• المادة 78 من الدستور المصري تنص على أن “تكفل الدولة للمواطنين الحق في السكن الملائم الآمن والصحي”.
• مشروع القانون الجديد قد يؤدي إلى إخلاء قسري دون توفير بدائل حقيقية، مما يتعارض مع هذا النص الدستوري.
5. عدم التزام مجلس النواب بحكم المحكمة الدستورية:
• تجاهل الحكم الصادر عام 2002 يُعد خرقًا لالتزام البرلمان بعدم سن قوانين تتعارض مع ما قضت به المحكمة الدستورية، وهو ما قد يعرض القانون للطعن بعدم الدستورية حال إقراره.
هناك أرقام وحقائق لا يمكن تجاهلها :وفقاً لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء:
• عدد الوحدات المؤجرة بنظام الإيجار القديم يتجاوز 3 ملايين وحدة، أغلبها في القاهرة الكبرى.
• يوجد أكثر من 513 ألف وحدة مغلقة رغم استمرار عقود الإيجار، مما يمثل إهدارًا للثروة العقارية.
ونري إنه رغم أهمية المشروع في تحقيق العدالة للمالك وإنهاء تشوهات منظومة الإيجارات القديمة، إلا أن الصيغة الحالية تحمل شبهة عدم دستورية لا يمكن تجاهلها، وتحتاج إلى مراجعة دقيقة .، والالتزام بحكم المحكمة الدستورية ومواد الدستور ذات الصلة. وأي تجاهل لهذه الاعتبارات قد يعرض القانون للطعن ويقوض الثقة في المنظومة التشريعية برمتها.
ونناشد فخامة السيد / عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية عدم التصديق على مشروع هذا القانون وإعادته مرة أخري لمجلس النواب وذلك لتحقيق التوازن بين حقوق الملاك وضمانات المستأجرين.