بقلم د. ق يسطس الأورشليمى
كتاب وباحث في التاريخ المسيحى والتراث المصرى
وعضو إتحاد كتاب مصر 


   "متّى" فتعني "عطيّة الله"، وبالعبرانيّة "نثنائيل"، وباليونانيّة "ثيودورس"، والتي عُرِّبت "تادرس". وكأن الله بدعوته لمتّى أشبع قلبه كعطيّة إلهيّة "عطية من يهوه"، فانتزعت نفسه من محبّة المال وأخرجت قلبه خارج الجباية. وكان عشاراً أي جابي ضرائب في مدينة كفرناحوم، ولعله كان من مسئولياته تحصيل الضرائب من صائدي الأسماك (من بطرس وأمثاله). وكان اسم أبيه حلفى.

    وكان يدعى لاوى من الجليل عمل عشاراً أى من الجباه الرسمين الذين يعملون لحساب الرومان المستعمرين ، لذلك كانوا ممقوتين من الشعب ، ومعتبرين خطاة فى نظر عامة الناس , 

رآه السيّد المسيح جالسًا عند مكان الجباية فقال له: اتبعني، فقام وتبعه (مت9: 9؛ مر2: 14؛ لو5: 29). ترك لاوي الجباية التي كان اليهود يتطلّعون إليها ببغضة، لأنها تمثل السلطة الرومانيّة المستبدة، وعلامة إذلال الشعب لحساب المستعمر الروماني المستغلّ. وقد سجّل لنا معلّمنا لوقا البشير الوليمة الكبرى التي صنعها لاوي للسيّد في بيته، ودعا إليها أصدقاءه السابقين من عشّارين وخطاة حتى يختبروا عذوبة التبعيّة للسيّد المسيح بأنفسهم (لو5: 29)، الأمر الذي أثار معلّمي اليهود، قائلين للتلاميذ: لماذا يأكل معلّمكم مع العشّارين والخطاة؟ أمّا هو فأجاب: "لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضى، لم آت لأدعو أبرارًا بل خطاة إلى التوبة" (مت9: 11-12). ولا شك أن هذا يدل على قلب عملت فيه نعمة الرب وليس لإنسان يعمل أكثر من ذلك أن يترك كل شيئ محبة في الملك المسيح وليس في أستطاعته أن يفعل أفضل من إتباع السيد المسيح ، ولازم الرب يسوع وسمع تعاليمه وشهد عجائبه , وعاين قيامته المجيدة وأمتلئ من الروح القدس في يوم الخمسين ، قيل أنه كرز بالإنجيل فى بلاد اليهودية وأثيوبيا وقيل أنه بشر فى بلاد فارس والبارثيين .

     وكتب متى  إنجيله لليهود والمتنصرين منهم وهدفه أثبات أن المسيح هو المسيا الموعود به رئيس الكهنة وملك اسرئيل وهو الإنجيل الوحيد الذي سجل كلمات السيد المسيح أنه ما جاء لينقض الناموس والأنبياء وأنه لم يرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة ولذلك بدأ متى إنجيله بذكر نسب المسيح الجسدي مثبتاً أنه من جنس اليهود ومن نسل إبراهيم ووارثاً لداود  .

     ويسجل هو بنفسه كيفية دعوة الرب يسوع له ليكون تلميذاً له، فيقول: "وفيما يسوع مجتازاً من هناك، رأى إنساناً جالساً عند مكان الجباية اسمه متى، فقال له: "اتبعني. فقام وتبعه" (مت 9: 9). وهكذا أصبح متى أحد الاثنى عشر رسولاً (مت 10: 2و 3). وهو الذي كتب "الإنجيل حسب متي"، أول سفر من أسفار العهد الجديد. 

وتذكر الأناجيل الثلاثة الأولى أن دعوة الرب لمتى، حدثت بعد شفاء الرجل المفلوج الذي قدموه للرب مطروحاً على فراش، حين أعلن الرب يسوع "أن لابن الإنسان سلطاناً علي الأرض أن يغفر الخطايا". 

وقد أقام له متى وليمة في بيته، دعا إليها الكثيرين من العشارين والخطاة، إدراكاً منه بأنهم محتاجون مثله إلي الإتيان إلي الرب المخلص، وقد جعل هذا الكتبة والفريسيين يتذمرون ويقولون لتلاميذه: "لماذا يأكل معلمكم مع العشارين والخطاة؟ فلما سمع يسوع قال لهم: "لا يحتاج الأصحاء إلي طبيب بل المرضى. فاذهبوا وتعلموا ما هو: إني أريد رحمة لا ذبيحة لأني لم آت لأدعو أبراراً بل خطاه إلي التوبة" (مت 9: 1- 13، مرقس 2: 1- 17، لو 5: 17- 32). 

وكانت استجابه متي لدعوة الرب يسوع استجابة فورية حازمة، ضحي فيها بوظيفته التي كان لها شأنها (لو 5: 28). ويذكر كل من مرقس ولوقا أن هذا العشار كان اسمه "لاوي" (بدلاً من "متي" - مت 9: 9). ويقول مرقس ولوقا إن الوليمة كانت في بيت متي (مرقس 2: 15، لو 5: 29)، أما متي فيقول: "وبينما هو متكيء في البيت" (مت 9: 10) في إشارة إلي بيته هو. 

    وفي القوائم الثلاث بأسماء التلاميذ الاثني عشر (مت 10: 2- 4، مرقس 3: 16- 19، لو 6: 14- 16)، يذكر اسم "متي"، ولكن متي نفسه يقول: "متي العشار"، فهو يريد أن يشيد بنعمه الله التي دعته من هذا العمل البغيض عند الشعب، ليكون رسولاً للرب ينادي بالخلاص للعالم. 

ويقول مرقس إن اسمه "لاوي بن حلفي" (مرقس 2: 14)، وتذكر الأناجيل الثلاثة الأولي أنه كان بين التلاميذ الاثني عشر، تلميذ آخر اسمه "يعقوب بن حلفي" (مت 10: 3، مرقس 3: 18، لو 6: 15)، فهل كان "لاوي بن حلفي" أخاً ليعقوب بن حلفي؟ الأرجح أنهما لم يكونا أخوين، إذ لا يذكر أحد من البشيرين ذلك صراحة، كما هو الحال في حالتي بطرس واندراوس، ويعقوب ويوحنا ابني زبدي. 

ويذكر متي اسمه في قائمة الرسل ثامناً في الترتيب، بعد بطرس واندراوس، ويعقوب ويوحنا، وفيلبس وبرثلماوس وتوما (مت 10: 1- 4)، أما مرقس ولوقا فيذكر أنه سابعاً في الترتيب بين برثلماوس وتوما (مر 3: 18، لو 6: 15). 

وكما رأينا، كانت تلبية الرب يسوع لدعوة متي له إلي بيته مع عدد كبير من العشارين والخطاة، سبب تذمر الكتبه والفريسيين، ويسجل متي أقوال الرب يسوع وأمثاله التي تكشف رياء الكتبة والفريسيين ونفاقهم (مت 23: 1- 37). 

ومن الأغراض الواضحة في إنجيل متي، إثبات أن يسوع الناصري هو مسيا نبوات العهد القديم، فكثيراً ما يستشهد بهذه النبوات، وأن كلمة الله معلنة لليهود وللأمم. وقد استخدم الروح القدس البشير متي في كتابة هذا الإنجيل الذي يعد وثيقة من أثمن الوثائق المسيحية. 
.