محرر الأقباط متحدون
كانت “التكية” ذات يوم إحدى أبرز مؤسسات الرعاية الاجتماعية في مصر، حيث مثلت نموذجًا متقدمًا للضمان الاجتماعي والرعاية المجانية للفقراء والمحتاجين وعابري السبيل، قبل أن تتراجع أهميتها وتختفي تدريجيًا من المشهد. 

واليوم، ومع تفاقم الأزمات الاقتصادية وتنامي معدلات الفقر، يطرح البعض تساؤلات جادة: هل يمكن إحياء هذا النموذج الاجتماعي في العصر الحديث؟
التكية” هي كلمة ذات أصول تركية، تشير إلى مكان مخصص لإيواء وإطعام الفقراء والمساكين، وغالبًا ما كانت تُدار من قبل الطرق الصوفية أو تحت رعاية الدولة. 

وكانت التكايا تقدم وجبات مجانية يومية، وأحيانًا خدمات إقامة مؤقتة، للمحتاجين أو عابري السبيل، في روح من الكرم والرحمة الإسلامية.

ظهرت التكايا في مصر خلال العصر المملوكي وازدهرت في العصر العثماني، ثم بلغت ذروتها في عهد محمد علي باشا، الذي أسس عددًا منها في القاهرة ومدن الصعيد. وقد ارتبطت في الوجدان الشعبي بمواسم الخير، كرمضان وعاشوراء، وكانت منابر للروحانيات والتكافل.

ومن أشهر التكايا التاريخية في مصر: تكية أبو الدهب بالقرب من الجامع الأزهر وتكية الدراويش التي أُنشئت لإطعام المساكين وأبناء السبيل والصوفيين

ومع دخول القرن العشرين، بدأت التكايا تفقد دورها تدريجيًا، بسبب تغير بنية الدولة وتراجع دور الأوقاف في إدارة المؤسسات الخيرية، إضافة إلى صعود الدولة المركزية الحديثة التي تبنت نماذج جديدة للرعاية مثل الجمعيات الخيرية والضمان الاجتماعي الحكومي.

في ظل الضغوط الاقتصادية الحالية التي يعاني منها الملايين، يرى بعض الباحثين والناشطين أن العودة إلى نموذج “التكية” قد يشكّل حلاً جزئياً لمشكلة الأمن الغذائي، خاصة في المناطق الأكثر فقرًا. كما يمكن إدماج هذا المفهوم في إطار عصري، عبر:

دعم مطابخ خيرية تقدم وجبات يومية للمحتاجين
تشجيع القطاع الخاص والجمعيات الأهلية على رعاية مشروعات شبيهة
تخصيص أوقاف جديدة لإدارة هذه المؤسسات بعيدًا عن البيروقراطية

غير أن خبراء آخرين يحذرون من تكرار النمط القديم دون تحديث، مشيرين إلى أهمية ربط أي مشروع شبيه بالتكية بمفاهيم التنمية المستدامة، وتمكين الفقراء بدلًا من مجرد إطعامهم.

ويبقي السؤال: هل يمكن ك إعادة التفكير في إنشاء التكايا بشكل حديث وعصري، بهدف خطوة مواجهة الجوع والغلاء لطبقات عديدة في المجتمع المصري المعاصر؟