الأب جون جبرائيل الدومنيكانيّ
 

 انتحار كاهنٍ شابّ في إيطاليا عن ٣٥ عامًا

عندما يرحل كاهن بصمت: بين دعوة التكريس وثقل الانتظارات
رحل الأب ماتيو بالتسانو، كاهنٌ شاب في الخامسة والثلاثين من عمره، بهدوءٍ مأساويّ. كاهنٌ إيطاليّ، معروفٌ بفرحه وحيويّته وخدمته وسط الشباب، اختار أن يُنهي حياته في صمت، تاركًا خلفه صدمةً وأسئلةً مؤلمة.
 
رحيله لا يُحزن فقط رعيّته وأصدقاءه، بل يفتح جرحًا عميقًا في وعي الكنيسة المعاصرة: هل نرى الكهنة كبشرٍ هشّين مثلنا؟ أم نُصرّ أن يكونوا ويعيشوا "ملائكة بلا جناحين"؟
 
في ثقافات كثيرة، خصوصًا في الشرق، نضع الكاهن على قاعدةٍ مثل القدّيسين والملائكة. نتوقّع منه أن يكون صورةً حيّة لرهبان الصحراء كما يرويهم "بستان الرهبان": زهدٌ مطلق، صلاةٌ دائمة، ضبطٌ للنفس لا يعرف فتورًا. لكن الأب ماتيو لم يكن ناسكًا في قلاّية، بل خادمًا في أوراتوريو يعجّ بالمراهقين والشباب والعائلات، ينصت لصراخهم، يرشدهم في عتمة الارتباك، ويمشي معهم على الحبل المشدود بين القداسة والواقع.
 
الكاهن مكرّس، نعم، ولكنّه ليس معصومًا. هو "إنسانٌ من أجل الآخرين"، وليس "إلهًا صغيرًا بيننا". إنه إنسانٌ يحمل رجاء الجماعة، لكنّه لا يتوقّف عن حمل جراحه الشخصيّة، أسئلته الوجوديّة، وحدته، إحساسه أحيانًا بالعبء واللاجدوى.
 
نحن نطلب منه أن يكون صوت الله في العتمة، لكن من يصغي إلى عتمته هو؟
 
نُطالبه بأن يبقى صلبًا في وجه التجربة، لكن من يمسك يده حين تضعف الأرض تحت قدميه؟ الكاهن يُقدّم الإفخارستيا، لكن من "يكسر الخبز" له حين يجوع هو إلى معنى وحنان الإنسانية والجماعة؟
 
هذا الحادث الأليم يدعونا إلى تحرير نظرتنا إلى الكهنوت من قفص التوقّعات المثاليّة المُنهِكة، وفتح مساحة لروحانيّة أكثر تجسّدًا، تعترف بالضعف وتحتضنه. كما يذكّرنا بنداء البابا فرنسيس: "أريد كهنة برائحة الخراف": بشرًا حقيقيين، لا مجرّد صورًا تقويّة.
 
فلنساعد كهنتنا على أن يعيشوا بشريّتهم من دون خوف، أن يتكلّموا عن آلامهم دون خجل، أن يُرافقهم الرعاة والرهبان والعلمانيّون لا بوصفهم رُسُلًا منزّهين، بل كإخوة بحاجة إلى من يمسح عنهم الغبار ويقول لهم: "حتى الربّ بكى... فلا عيب إن بكيتَ أيضًا."
 
ليكن رحيل الأب ماتيو دعوةً إلى رؤية الكهنوت لا كمسيرة نحو الكمال، بل كدربٍ طويل نحو الاتّحاد بالمسيح المتألّم... ذاك الذي لا يَسخر من ضعفنا، بل يحمله في قلبه المثقوب.
 
الأمر يثير التساؤلات أيضًا عن اهتمام الأساقفة بكهنتهم والرعاية النفسية والصحية والسيكولوجية