دكتور بول غبريال - راعي الكنيسة العربية الكتابية - شيكاجو   
 
كثيرون منّا، حين يتقدّم بهم العمر، يظنّون أن وقت الجهاد الروحي قد انقضى، وكأن العلاقة مع الله لها “سنّ تقاعد”.
 
 يتسلل إلى الذهن وهمٌ بأن حياة الصلاة والسهر والتسليم لمشيئة الرب أمور تخص الشباب فقط، وأن الشيخوخة تعني الانسحاب من ساحة الجهاد. ولكن هذه الفكرة لا أساس لها في الكتاب المقدس، ولا تتفق مع روح الإنجيل.
 
يذكر الكتاب المقدس عن إسحاق:
“وَحَدَثَ لَمَّا شَاخَ إِسْحَاقُ، كَلَّتْ عَيْنَاهُ.” (تكوين ٢٧: ١)
 
وهنا، لا يشير النص فقط إلى ضعف البصر الجسدي، بل يرمز أيضًا إلى تراجع البصيرة الروحية. فقد يبدأ الإنسان بالتهاون، ويُخدع بأن المرحلة القادمة هي للراحة، لا للسهر.
 
ولكننا نجد في كلمة الله نماذج تكسِر هذا المفهوم، وتُعلن أن الشيخوخة ليست نهاية الرحلة، بل بداية مرحلة أعمق من الشركة مع الرب.
 
تأمل في موسى، إذ يشهد عنه الكتاب قائلاً:
“وَكَانَ مُوسَى ابْنَ مِئَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً حِينَ مَاتَ، وَلَمْ تَكِلَّ عَيْنُهُ وَلاَ ذَهَبَتْ نَضَارَتُهُ.” (تثنية ٣٤: ٧)
 
لم تفتر عزيمته، ولم تخفت رؤيته، لأن القلب المتعلّق بالله لا يشيخ.
 
كذلك نقرأ عن كالب، رجل الإيمان الصامد، الذي قال بثقة في شيخوخته:
“فَهَا أَنَا الْيَوْمَ ابْنُ خَمْسٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً… فَالآنَ أَعْطِنِي هذَا الْجَبَلَ!” (يشوع ١٤: ١٠-١٢)
 
أيّ يقين هذا؟! لم يطلب هدوءًا، بل تحدّى الجبال، طالبًا نصيبًا جديدًا من الأرض والبركة.
 
الرب لا يقيس الإنسان بعدد سنواته، بل بمقدار أمانته واستمراره في السعي نحوه.

هو القائل:
“وَإِلَى الشَّيْخُوخَةِ أَيْضًا وَالشَّيْبِ أَنَا أَحْمِلُ. أَنَا صَنَعْتُ وَأَنَا أَرْفَعُ، وَأَنَا أَحْمِلُ وَأُنَجِّي.” (إشعياء ٤٦: ٤)
 
هو لا يتخلّى عنك مع تقدّمك في العمر، بل يرافقك بوفاءٍ أعظم، ويكشف لك أعماقًا روحيّة ربما لم تعرفها في شبابك.
 
فلنصغِ اليوم لصوت الرب، وهو يهمس في القلب:
 
“أكمل المسير، كما بدأت، بل بقوةٍ أعظم!”
 
فليس التقدّم في السن عائقًا، بل فرصة لثبات أعظم، وشهادة أعمق، وإثمارٍ ممتدّ إلى آخر نفس.