بقلم د. ق يسطس الأورشليمى
كتاب وباحث في التاريخ المسيحى والتراث المصرى
وعضو إتحاد كتاب مصر 


في اليوم الخامس من شهر أبيب الموافق 12 يوليو يقع عيد الرُسل  وهُو عيد استشهاد الرسُولين: بطرس، وبُولس الذي سميّ ثالث عشر رُسل المسيح، تكريماً له واعترافاً بجهاده الرسُولي..

قال عنه أحد علماء الكتاب: أن بُولس أستشهد وهُو في نحو الستين من عمره، لكن حياته كانت حافلة بجهاد عظيم، وكأنه عاش عمر متوشالح، أكبر معمر في الأرض، إذ بلغ 969 سنة (تك27:5).. 

كان القديس بُولس معاصراً للمسيح في الزمان والمكان، ويقال كان في نحو العشرين من عمره، عندما بدأ المسيح خدمته الجهرية، ومع ذلك لم يتبعه ويتأثر به في كُل فترة إقامته على الأرض إلى أن صعد رّب المجد إلى السماء، مع أنه لابد أن يكُون قد سمع عنه (لو1:12)..

وعلى الرغم أنه لم يكن من بين الاثني عشر الذين اختارهُم المسيح وسماهُم رسلاً، ولا من بين السبعين رسولاً، إلاّ أنه أصبح رسولاً فيما بعد أنظر (لو13:6؛ 1:10؛ أع9:9؛ 6:22؛ رو1:1؛ 1كو1:1)..

وقد كان أمراً غريباً أن يظل بُولس بعيداً عن المسيح طول مدة وجوده على الأرض، بالرغم أنه كان يجُول في كُل مدينة وقرية، وتتزاحم عليه عشرات الألوف من الشعب (لو17:5؛ 1:8؛ 1:12؛ أع38:10)..

آمن به كثيرُون من الرؤساء أنفسهُم، وإن كانُوا بسبب الفريسيين لم يعترفُوا به علناً لئلا يطردُوا من المجمع، وكان نيقوديموس وهُو أحد الرُؤساء يُؤمن به، كذلك يوسف الرامي، وكان عضواً بمجلس السنهدريم رجلاً صالحاً باراً، لم يكن راضياً عن رأيهُم، وقد اعترض الاثنان على حكم المجلس على يسُوع بالموت، واشترك الاثنان في تكفينه بعد صلبه وموته بمر وعود مع الأطياب (يو1:3؛ 38:19-41)، فهل كان بُولس واحداً من بين أولئك الرُؤساء الذين آمنوا بالمسيح ؟!

ولد في طرسوس من رجلاً على الأرجح تاجراً من ذوى المكانة يحظى المواطنة الرومانية، وكان قد فُرض على كل والد عبرانى أن يعلم ولده حرفة يدوية يتقي بها شر الفقر ومن أمثالهم المأثورة  (من لم يعلم ولده حرفة يخلق منه لصاً خاطفاً)، وطبقا لذلك تعلم شاول صناعة الخيام إلى جانب تعلمه العبرية واليونانية، وبعد أن أتم شاول دراسته في طرسوس بعث به والده إلى أورشليم ليتلقى علوم الدين على يد أحبار تلك المدينة التى خلت من تماثيل الألهة اليونانية والسريانية والأسيوية عكس مدينة طرسوس وفيها تعلم علوم الشريعة على يد أعظم علماءها وهو غمالائيل، ولم يتعلم شاول هذه التعاليم فقط بل روض نفسه على العمل بها ولذا فرح شاول بقتل استفانوس لأنه وجد الشريعة تطبق كما ينبغى، كما كان حارساً لثياب الذين رجموه، وشاء اللـه أن يجعل شاول إناءاً صالحاً له، فكان تحول شاول المعروف عندما ظهر له الرب قائلاً له: " شاول شاول لماذا تضطهدني، صعب عليك أن ترفس مناخس"، ولم يشهد شاول المسيح بالجسد كما يشهد هو نفسه فى أحد رسائله بل شهده فى هذا المنظر العجيب، وهناك آثر أن يترك البلاد وينطلق إلى العربية بعد أن إعتمد بالماء على يد حنانيا أسقف دمشق، وهناك قضى فترة من الزمن أستوحى فيها مشيئة اللـه ثم عاد بعد ذلك إلى أورشليم محاولاً الإتصال برسل المسيح، ولكن حامت حوله الشكوك بالنسبة لمسلكه القديم كيف أنه كان يضطهد التلاميذ بإفراط شديد حتى قوض اللـه له شخص يسمى برنابا (رجل التعزية) وهو صديق قديم لشاول وهو يهودى قبرصى المولد هذا قاده وقدمه للرسل وقص عليهم رواية هدياته الى المسيحية.

أما شاول فلم يطل به المقام في أورشليم أكثر من خمسة عشر يوماً وذلك لأن اليهود اليونانيين حين سمعوه يجهر باسم الناصري تآمروا عليه وأرادو إغتياله كما فعل هو وإياهم باستفانوس من قبل وفي هذه المرة دبر له التلاميذ فى أورشليم النجاة كما فعل التلاميذ في دمشق، فلما علم الأخوة أحضروه إلى قيصرية وأرسلوه إلى طرسوس.

وخرج شاول من المدينة المقدسة مكرهاً حيث أوحى إليه في رؤيا أنه سيكون رسول الأمم في ميدان غير أورشليم هو ميدان الإمبراطورية الرومانية.
وبقى شاول زهاء سنة في أنطاكية، وكان ذلك في عام 44م ، وكان أتباع يسوع يدعون الناصريين ويعتبروهم الأمم شيعة من شيع اليهود، وقد رأينا أن الدعوة لهذا الدين الجديد نشطت على أثر فرار التلاميذ من أورشليم مكرهين فإضطر أتباع وأنصار هذا الدين إلى تبديل اللقب اليهودى الذي كان مقتصر على اليهود المتنصرين في فلسطين وخلعوا على أنفسهم أو ربما خلعوا عليهم الأهلون لقباً جديداً فصاروا مسيحيين نسبة للمسيح وهى الترجمة اليونانية لكلمة مسيا ( ودعى التلاميذ مسيحيين فى أنطاكية أولاً )، وفى غضون تلك السنة ريع العالم بمجاعة شديدة، وكان ذلك في أبان حكم كلوديوس قيصر وهى المجاعة التي أشار إليها النبي أغابوس وهلك فى تلك المجاعة خلقاً كثيراً، كما أشار لذلك المؤرخ اليهودى يوسيبيوس وخف أثرياء اليهود إلى أغاثة بني جلدتهم وكان اليهود المتنصرين هناك أشد عوزاً وحاجة بحكم أنهم باعوا ممتلكاتهم كما جاء في سفر الأعمال، وهنا شعر بولس بضرورة أن يرسل المعونات إلى أورشليم وفعلاً قاد شاول رحلة المعونات من أنطاكية إلى أورشليم لمسافة تربوا على الـ300 ميل، وما كاد يصل إلى أورشليم حتى سمع بنكبة الكنيسة للمرة الثانية وهى قتل أحد التلاميذ وإيداع الأخر السجن (يعقوب-وبطرس)، وبعد خروج بطرس من السجن رحل ثلاثة من أورشليم إلى أنطاكية وهم شاول وبرنابا ومرقس ذلك الشاب الذي صنع السيد في منزله العشاء الأخير، وكانت أمه إحدى المريمات.

في ربيع عام 47 م تقريباً، وفى كل مدينة ذهبوا فيها أنتخبوا رعاة لهذه المدن، ثم رجع بولس مرة أخرى إلى أورشليم وكانت هذه هي المرة الثالثة, المرة الأولى بعدما آمن والثانية حينما حمل معه تقدمات المحبة لإسعاف فقراء أورشليم أما الثالثة حيث شهد هنا مجمع الكنيسة الأول الذي ناقش موضوع الختان وتهويد المسيحيين ومن الأثار البارزة في هذه الرحلة الآتى: 

1.    تدوين عظته الأولى بنصها الكامل الرسالة إلى غلاطية والتي يقول العلماء أنها كتبت في حوالي عام 52م.
2.    أصيب بالحمى في غلاطية وربما تكون هذه هي الشوكة التي قال عنها.
3.    أنه رجم لأول مرة في لسترة.
4.    أنه عُقد لأول مرة المجمع الأول في تاريخ المسيحية.

ثم سافر من أفسس إلى ترواس التي كان قد دخلها قبل 6 سنوات ومنها إلى نيابوليس وفيلبي ومكدونية يعظ ويضم للكنيسة كل من يخلص وكان ذلك في سنة 56 تقريباً ثم إلى كورنثوس ثم العودة مرة أخرى لأورشليم.

أورشليم للمرة الأخيرة :
أتجه بولس من فيلبي إلى ترواس, وكان ذلك في عام 57 م تقريباً حيث أقام بولس الشاب أفتيخوس ومن ترواس إلى أسوس - ميناء صغير يبعد 20 ميل جنوب ترواس - وبالسفينة إلى ميلتينى 30 ميل من اسوس ثم إلى ساموس ثم لملتيني ثم كوس ثم رودس ثم باترا ثم قبرص ثم صور ثم بتلومايس، وكان هدف بولس من زيارة أورشليم أن يقضى عيد الحصاد في أورشليم وفى أورشليم أخبر بولس الرسول الكنيسة عن أخبار الخدمة وأجبر بولس على أن يصير لليهودى كيهودى، فقبل أن يذهب للهيكل ليتطهر وينفق على أربعة كان عليهم نذر ليحلقوا رؤسههم، ولكن يحدث شغب في الهيكل يضطر على أثره قائد الكتيبة الرومانية كلوديوس لسياس الموجودة في قلعة أنطونيا أن يتدخل وينقذ بولس من أيدى اليهود حيث يتم ربطه بالسلاسل التي يبقى فيها منذ الأن حتى نهاية حياته ويريد قائد الفرقة أن يجلد بولس، ولكن بولس يستعمل حق المواطنة الرومانية الذي يملكه - لا يمكن لأي شخص أن يدعي هذا الحق حيث أنه لو ثبت عليه أنه يكذب كان يعدم -، فلم يستطيع هذا القائد جلده كما كان يريد ولكنه أراد أن يعرف ما هى تهمة بولس الحقيقية، فأرسل إلى حنانيا رئيس الكهنة وكان سلاباً نهاباً سلب حتى الكهنة الذين هم دونه أجورهم وعقد مجمع السنهدريم وحضره هو بنفسه ورأى كيف أستطاع بولس أن يقسم المجمع الذى كان يضم فريسيين وصدوقيين ولكنه أمر بسجن بولس رغم ذلك. 

وفي السجن عومل معاملة حسنة وعرف بولس في السجن بأمر محاولة اغتياله، ولذا خرج من أورشليم تحت جنح الليل تحرسه فرقة من الجند حيث أرسل إلى فيلكس الوالى في قيصرية - مقر حكام فلسطين من الرومان -، ثم حوكم أمام اغريباس ثم أمام فستوس ثم أستأنف بولس دعواه أمام قيصر روما حوال عام 59م، وفى روما يقتاد بولس أسيراً وكان ذلك في سنة 60 م، وفى روما يكتب بولس رسائله إلى فيلمون وإلى كولوسى وإلى أفسس وإلى فيلبى عام 62 م، وفي مجملها هى رسائل رعوية أرسلها بولس لأفراد أو كنائس وعالج فيها موضوعات روحية وإجتماعية.

وفي نفس العام يطلق سراح بولس لعدم وجود علة عليه بعد أن وقف أمام نيرون الذي كان حتى ذلك الوقت إمبراطوراً محايداً ثم يذهب بولس إلى جزيرة كريت وكانت جزيرة مليئة بالشرور والأثام لم يبق فيها بولس طويلاً وترك تيطس يكمل الخدمة فيها.

في أسيا الصغرى :
يذهب بولس الرسول إلى أسيا الصغرى حيث يعاود زيارة الكنائس التي كان قد أسسها في أفسس ومكدونية وفيها يكتب رسالته الأولى إلى تيموثاوس وإلى تيطس، وفي عام 64 تقريباً يقبض على بولس ويسجن في روما بإعتباره زعيم شيعة الناصريين الذين أحرقوا روما كما أتهمهم بذلك نيرون، وهنا يحتج بولس إحتجاجه الأول ثم يعود بولس إلى السجن ليسمع نيرون دعواه مرة أخرى وهنا يتهم بالخيانة والثورة على نظم الدولة وأديانها.

وقت أنحلالى قد حضر :
يشعر بولس أن نهايته قد أقتربت فيجمل كل حياته بقوله " من اليهود خمس مرات قبلت أربعين جلدة إلا واحدة, ثلاث مرات ضربت بالعصى, مرة رجمت, ثلاث مرات إنكسرت بى السفينة, ليلاً ونهاراً قضيت في العمق, بأسفار كثيرة, بأخطار سيول فى البرية, بأخطار فى البحر, بأخطار من أخوة كذبة, فى تعب وكد فى أسهار مراراً كثيرة فى جوع, فى أصوام مراراً كثيرة, فى برد, فى عرى"، ( 2 كو11 : 24-27 ) وفعلاً يتم إعدامه بحد السيف لكونه رومانيا.