محمد أبو الغار

الحوادث الضخمة والكوارث تحدث فى كل بلاد العالم، وفى معظم الأحيان تكون بسبب كوارث طبيعية، زلازل، فيضانات أو حرائق ضخمة فى غابات.

بلاد العالم الثالث معروفة بحوادث ضخمة وخطيرة ومؤثرة، وأيضًا مختلفة لأن الكثير منها يمكن تفاديه أو تقليل الخسائر الناتجة عنه. وأسبابه جزء كبير منها سببه الفساد والتسيب، بحيث تكون الهيئة أو المؤسسة أو الجهاز قد تم تشغيله بمعدات غير سليمة أو مغشوشة، وتكون أجهزة الحماية والأمان غير موجودة أو غير مكتملة. وهناك الجزء الشعبى، وسببه إما الجهل وضعف التعليم والتدريب، أو الإهمال والتسيب والفوضى التى هى من سمات المجتمعات الفاشلة.

 

حادث السنترال بدأ باشتعال النيران فى بقعة امتدت بسرعة رهيبة لباقى المبنى. يقال إن امتداد النار كان عبر أنابيب المفروض ألا تكون موصلة للنار، وهو ما أدى إلى الانتشار السريع. لو ثبت أن ذلك كان صحيحًا فلابد من مراجعة المقاول المنفذ والمورد والمهندس الذى تسلم، ويلزم محاكمة هذه المجموعة بالكامل، وكما علمنا فإن أجهزة الإطفاء الذاتى التى من المفروض أن تعمل أوتوماتيكيًا لم تعمل وبالتالى انتشر الحريق وأصبح الإطفاء فقط عن طريق الخارج. هل تمت صيانة هذه الأجهزة؟ هل تمت تجربتها كل فترة؟ ومن المسؤول عن ذلك؟ يبدو أن هناك قيادات كثيرة يتم تعيينها فى هذه المناصب ليس عندها الكفاءة ولا الخبرة ولا تتم محاسبتها على الفشل.

 

ثم نأتى إلى الإطفاء من الخارج، وضح أنه أخذ وقتًا طويلًا حتى بدأت عملية الإطفاء، لأسباب كثيرة، منها عدم توفر مخارج حنفيات مياه للمطافئ. وعدم وجود خطة مسبقة موضوعة للإطفاء. وكتب أحد الخبراء أن المرور على كوبرى أكتوبر استمر أثناء الحريق، وكان ذلك يشكل خطرًا. وكتب أحد الخبراء أن صعود سيارة المطافئ على الكوبرى كان يمكن أن يسهل الإطفاء. طبعًا كل هذه الآراء قابلة للنقاش، والحقيقة أنه لا يوجد كتيب واحد عما يجب عمله فى حالة الحريق، ومن المسؤول عن كل عمل طبقًا لهذا البروتوكول غير الموجود فى معظم الأماكن المهمة فى مصر. لقد فقد أربعة مهندسين أرواحهم فى هذا الحادث، فلروحهم السلام، وعلى الدولة تعويض أهلهم تعويضًا مناسبًا.

 

ونأتى إلى الإعلام الحكومى الغائب تمامًا والمتأخر دائمًا فى انتظار التعليمات. علم الشعب من وسائل التواصل الاجتماعى، ومن الدخان الذى ملأ سماء القاهرة، ومن المحطات الأجنبية قبل أن يقول الإعلام المصرى شيئًا، وهذا عيب كبير.

 

ننتقل إلى حادثة الطريق الإقليمى فى المنوفية. هناك بضع حقائق تكشفت أن نصف الطريق مغلق لأنه غير صالح للمرور منذ فترة، وأدى ذلك إلى استخدام نصف الطريق فى الاتجاهين، وأدى ذلك إلى فوضى فى المطالع والمخارج، وشجع ذلك السائقين والتكاتك وعربات النقل على زيادة الفوضى، وهو ما أدى إلى عشرات الحوادث، منها حادثة أخرى جديدة خلال زيارة الوزير مكان الحادثة الأولى.

سنترال رمسيس والطريق الإقليمى صُرفت عليهما مبالغ ضخمة ولم تتم صيانة أى منهما كما يجب، ربما لعدم وجود بند ميزانية صيانة لهما، أو للإهمال، وربما أحد هذه المشروعات لم تتم طبقًا للمواصفات القياسية. ربما كان هناك فساد، وهناك آلاف الأماكن فى مصر معرضة لتحدث فيها كوارث مشابهة. الآن ما العمل فى هذه الظروف الاقتصادية الصعبة؟ التعمية والإنكار والادعاء بأننا غير مقصرين أصبح أسطوانة مشروخة لا تصلح.

 

لقد قامت الدولة بأعمال ضخمة فى العاصمة الإدارية وفى الطرق والكبارى باستثمارات مليارات الدولارات، وكل هذه المشروعات معرضة للتحلل وفقدان وظيفتها ومستقبلها بدون أن تصان صيانة جيدة. ولأنه ربما لم يتم تسليم بعضها حسب المواصفات السليمة. أقترح أن تقوم الدولة بالتوقف تمامًا عن أى مشروعات، وأن يتم تقسيم ما تم إنشاؤه إلى مجموعات نوعية وجغرافية وحسب أهميتها، وأن تتولى مجموعة من المهندسين والاقتصاديين فحص كل مشروع وكيفية صيانته ليؤدى وظيفته بالكامل، ولا يتدهور ويفقد أهميته. وليس عيبًا أن يكتشف المهندسون عيوبًا فى التصميم وعيوبًا فى التنفيذ، قد تحتاج إلى إصلاحات جذرية مثل الطريق الإقليمى. تضع كل مجموعة هندسية خطة للإصلاح والصيانة قصيرة الأمد لمدة 5 سنوات، وخطة أخرى طويلة الأمد، وتحدد ميزانية، وتحدد الأولويات، وتعمل دراسات جدوى حتى ينتهى الأمر بالمحافظة على ثروة مصر فى البنية التحتية التى أُنشئت على عجل وتلتزم الحكومة بالخطة، وتتم الإصلاحات عبر مناقصات ومنافسة بين الشركات، ويتم تحديد مكاتب هندسية لها سمعة جيدة بالإشراف والاستلام، وهذا يعنى منع أى فساد محتمل.

إذا نُفذت هذه الخطة بإحكام سوف نحافظ على البنية التحتية لعقود طويلة قادمة ويتم تدريجيًا إصلاح ما لم يُبن حسب المواصفات الهندسية السليمة.

تبقى المنشآت الحيوية، والتى بها معدات مرتفعة الثمن ومعقدة. يجب أن يُعهد إلى مجموعة متخصصة بعيدًا عن الشركة أو الهيئة التى تنفذها أو التى تديرها لعمل دراسة عوامل الأمان لهذا المبنى من ناحية الحريق أو انفجار مواسير المياه أو السرقة. وتنفذ الخطة بين شركات متنافسة وتقوم بتدريب العاملين على استخدام عوامل الأمان وذلك بصفة دورية.

 

لن يفيد البكاء على اللبن المسكوب وعلى أموال صُرفت فى إنشاءات غير مطابقة للمواصفات أو ليست لها ضرورة اقتصادية. دعنا نصلح ونصن ما تم بناؤه بأقل التكاليف، وبمنافسة جدية بين شركات مختلفة، بحيث لا يكون للفساد أو للجهل مكان فى إصلاح وصيانة بنية مصر التحتية حتى لا نفقد المليارات التى صُرفت خلال بضع سنوات.

«قوم يا مصرى.. مصر دايمًا بتناديك».

 

نقلا عن المصرى اليوم