في الوقت الذي تعاني فيه مصر من أزمات اقتصادية طاحنة، وانهيار غير عادي في التعليم، وتهالك في البنية الاجتماعية، يخرج علينا شيخ الأزهر ليُعلن أن “هويتنا العربية والتعليمية في مهب الريح”!
ويحذّر من التغريب، ويدعو إلى لجان وخطط واستراتيجيات، ظاهرها الدفاع عن الهوية، وباطنها تعريب وإعادة اسلمة مصر بالكامل وطمس هويتها الحقيقية.
الأزهر، الذي يقدّم نفسه حاميًا للهوية، هو في الحقيقة أكبر عدو للهوية المصرية منذ أن وطئت أقدام الغزاة العرب أرض الكنانة في القرن السابع الميلادي.
فمنذ الغزو الإسلامي العربي، ومصر تعاني من محو متعمد لهويتها الفرعونية-القبطية، لصالح هوية دخيلة تم فرضها بقوة السيف والدين.
اليوم، لم يعد الأزهر مجرد مؤسسة دينية، بل سلطة فوق الدولة، تتدخل في كل ما هو سياسي واجتماعي وتشريعي، من قوانين الأسرة إلى مناهج التعليم، مرورًا بالحريات الدينية وشؤون الإعلام.
ويقوم بذلك عبر برلمان وهمي خاضع بالكامل، لا يجرؤ على مساءلة شيخ الأزهر أو الاعتراض على ما يطرحه.
فمتى كانت مؤسسة دينية تحدد مسار أمة؟
متى أصبح تفسير الدين بديلاً عن التشريع المدني؟
ولماذا لا تُمسّ صلاحيات شيخ الأزهر بينما يتم تغيير الوزراء والمحافظين كل عام؟
في مشهد موازٍ، نجد أن وزارات الهجرة، بقيادة وزيرات قبطيات فاشلين أولهم قالت ان شيخ الأزهر أبوها ، تم توظيفهن بشكل فجّ للترويج لمبادرات فارغة مثل “اتكلم عربي”، تحت غطاء “مبادرة رئاسية لدعم الهوية”.
لكن أي هوية؟
هل هي الهوية المصرية الحقيقية التي تضم الأقباط والفرعونية واللغة القبطية؟
أم هوية لغوية مؤدلجة تُفرض من فوق وتُصاغ في أروقة الأزهر؟
إن مبادرة “اتكلم عربي” ليست إلا ذراعًا ناعمة لمشروع الأزهر في تعريب الجاليات القبطية في المهجر، من كندا إلى أمريكا، ولإيهام الغرب أن مصر دولة متجانسة، بينما هي في الحقيقة بلد متعدد الهويات، يجري فيه قمع أي صوت غير إسلامي.
تحت ستار الدفاع عن اللغة العربية، يتم اليوم شنّ أوسع عملية محو للهوية المصرية الأصلية:
• لا حديث عن اللغة القبطية
• لا اعتراف بثقافة الأقباط أو تاريخهم
• لا تمثيل عادل في التعليم أو الإعلام
• ولا حتى احترام للموروث الفرعوني الذي يفتخر به العالم كله
بدلاً من ذلك، يُقدَّم التعريب كقيمة وطنية، بينما هو مشروع أيديولوجي لأسلمة مصر بالكامل، بقيادة الأزهر، وبتمويل الدولة، وبتواطؤ الوزراء، وخنوع البرلمان.
لم يكن الأزهر في يوم من الأيام حاميًا للهوية المصرية، بل كان وما يزال أداة لطمسها وتطويعها وفرض هوية دينية سياسية دخيلة.
والمفارقة المأساوية أن هذه المؤسسة، التي تدّعي الاعتدال، أصبحت هي الخطر الأكبر على مصر المدنية، وعلى وحدة نسيجها التاريخي والثقافي الحقيقي.
فيا أبناء مصر، دافعوا عن هويتكم قبل أن تُمحى باسم الدين واللغة.