يمثل الإخوان المسلمون في بريطانيا نموذجًا صارخا للتناقض بين الشعارات والقيم. ففي الوقت الذى  تؤكد التقارير الرسمية خطرهم على الأمن القومي البريطاني، لا تزال الجماعة تحظى بشرعية قانونية عبر منظماتها التى نجحت في أن تجعل  من لندن مركزًا عالميًا لأنشطتها.
 
ويعد وجود جماعة الإخوان المسلمين في بريطانيا أحد أكثر الملفات إثارة للجدل في العلاقات بين القاهرة ولندن. فمنذ ستينيات القرن الماضي، أصبحت العاصمة البريطانية ملاذًا آمنًا لقيادات وأعضاء الجماعة الهاربين من  مصر. ومع مرور الوقت، لم يعد هذا الوجود مجرد إقامات فردية، بل تطوّر إلى شبكة مؤسساتية متكاملة تضم منظمات خيرية، مراكز دينية، جمعيات طلابية، وكيانات مالية. وبينما تحذّر تقارير بريطانية رسمية من خطورة الفكر الإخواني على الأمن القومي، تواصل السلطات هناك توفير مظلة حماية غير مباشرة لهذه الكيانات تحت شعار الحريات العامة، ما يترك أثرًا مباشرًا على علاقات بريطانيا بمصر.
 
وقد بدأت موجة اللجوء السياسي للإخوان إلى بريطانيا بعد صدامهم مع نظام الرئيس جمال عبد الناصر في الستينيات. وقد وجدوا في النظام القانوني البريطاني، الذي يقوم على حرية التعبير والتنظيم، بيئة مواتية لإنشاء الجمعيات وإطلاق الأنشطة. ومع مرور السنوات، تحولت لندن إلى مركز ثقل إخواني عالمي، ومنها انطلقت مبادرات إعلامية ومالية لعبت دورًا مهمًا في دعم الجماعة داخل أوروبا وخارجها.
 
المنظمات الإخوانية في بريطانيا
ولا يمكن الحديث عن الوجود الإخواني دون الحديث عن المنظمات والمؤسسات التي شكلت عمودًا فقريًا لأنشطتهم هناك ومنها:-
1. الرابطة الإسلامية في بريطانيا (MAB):
تأسست في التسعينيات، وتُعد الأكثر وضوحًا في ارتباطها بجماعة الإخوان. اكتسبت شهرة كبيرة خلال قيادتها للمظاهرات المناهضة لحرب العراق 2003، وتُعتبر منصة سياسية وإعلامية للجماعة في الداخل البريطاني.
 
2. المجلس الإسلامي في بريطانيا (MCB):
هو أكبر مظلة للمسلمين في بريطانيا ويضم مئات الجمعيات والمساجد. ورغم محاولته تقديم نفسه ككيان جامع، إلا أن تقارير حكومية ربطت بعض قياداته بالخلفية الإخوانية. وقد علّقت الحكومات البريطانية التعامل الرسمي معه لفترات بسبب هذه الشبهات.
 
3. يوروب ترست (Europe Trust):
الذراع المالية الأبرز للجماعة، تأسست كمنظمة خيرية مسجلة في بريطانيا لتوليد موارد مالية عبر الأوقاف والاستثمارات. تُتهم بتمويل أنشطة مرتبطة بالإخوان في الداخل البريطاني وعبر أوروبا، خصوصًا من خلال علاقتها الوثيقة بـ"اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا".
 
4. اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا (FIOE):
رغم أنه كيان أوروبي عام، إلا أن بريطانيا لعبت دورًا محوريًا في استضافة مؤسساته، ما جعله منصة تنسيق بين فروع الإخوان بالقارة.
 
5. مراكز وجمعيات محلية:
مثل مركز فينسبري بارك (قبل إعادة هيكلته) وجمعيات تعليم اللغة العربية وتحفيظ القرآن، التي استخدمت كأدوات للنفوذ الفكري والثقافي.
هذه المنظمات، مجتمعة، أسست شبكة متماسكة سمحت للإخوان بالتمدد في المشهد الديني والاجتماعي البريطاني، ومنحتهم شرعية قانونية ساعدت على التواصل مع الرأي العام الغربي وصنّاع القرار.
 
ولا وال التناقض من قبل الحكومه البريطانيه في التعامل مع المنظمات الإخوانيه يشكل علامة استفهام كبيرة
ففي 2015، نشرت حكومة ديفيد كاميرون مراجعة شاملة حول أنشطة الإخوان، خلصت إلى أن فكر الجماعة "غير متوافق مع القيم البريطانية" وأن بعض خطابها يشكل أرضية خصبة للتطرف. ورغم ذلك، لم تُصنّف بريطانيا الجماعة كمنظمة إرهابية، واكتفت بوضعها تحت الرقابة الأمنية.
 
هذا التردد لا يمكن تفسيره أو على الأقل تفهمه إلا إذا كانت السلطات في بريطانيا تسعى 
 
لنفوذ دولي، من خلال حماية وجود الجماعة في لندن  لإستخدامها كورقة ضغط سياسية يمكن استخدامها في ملفات الشرق الأوسط.
وما يؤكد وجهة النظر تلك أن 
 
 كثير من المحللين يروا أن بريطانيا توفّر حماية غير مباشرة للجماعة، إذ تُجنّبهم المنع أو الحظر، وتفتح أمامهم مجالات للعمل المشروع الذي يُستخدم لاحقًا للتأثير السياسي والإعلامي.
 
ومن ناحية أخرى بالنسبة لمصر، يظل هذا الملف أحد أبرز نقاط التوتر مع بريطانيا. القاهرة تعتبر أن وجود الجماعة على الأراضي البريطانية يمنحها قاعدة خلفية لمهاجمة الدولة المصرية عبر الإعلام والمنظمات الدولية. كما ترى أن لندن، بموقفها المتساهل، تتجاهل تصنيف الجماعة كتنظيم إرهابي في مصر وعدة دول عربية.
 
في المقابل، تتعامل بريطانيا مع المطالب المصرية بحذر، مفضلة سياسة "الرقابة" بدلاً من الاستجابة لحظر كامل. هذا التباين يؤدي إلى فجوة ثقة في ملفات مكافحة الإرهاب، ويثير أسئلة حول مدى التزام لندن بمراعاة مصالح شركائها الإقليميين.