سحر الجعارة
كيف تسلل الإخوان إلى المجتمع المصرى حتى سيطروا على مفاصل الدولة ووصلوا إلى سدة الحكم؟؟.. السؤال الذى تبدو إجابته بسيطة أو معادة ومكررة مضطرة لتوضيح دور «المال السياسى» فيه لأنه يتكرر مع «جماعات دينية» أخرى بنفس السيناريو والتفاصيل!
جماعة الإخوان المسلمين، التى تأسست عام 1928 على يد حسن البنا، كانت تقدم نفسها بوصفها مشروعاً إسلامياً إصلاحياً يطمح إلى إعادة «المجتمع المسلم» إلى نقاء الشريعة الأولى.. بل وامتزج الدعوى بالوطنى، فانتمى عدد لا بأس به للجماعة لتحرير البلاد.
وكانت آنذاك حركة سرية بالمعنى التقنى للتنظيمات الدينية، فكانت تنشر الدعوى الدينية على الملأ وتشارك فى توزيع المنشورات وفى فعاليات الحركة الوطنية التى كانت «مقاومة شعبية».. ربما من هنا تحولت إلى حركة «سرية» أو من خلال تخطيط لم يتكشف حتى الآن.. وهو ما يسمى بالتقية السياسية أو (المعاريض بالتعبير السنى)، وهو ما يعتبره البعض «رخصة شرعية» خوفاً من الضرر أو الاضطهاد.
لم نكن ربما حتى يناير 2011 نعرف حجم تنظيم الإخوان الدولى ولا ثروته التى تتجاوز ميزانية «دولة صغيرة»، وحتى ما قبل ثورة 25 يناير كان البعض يعتبرهم «فصيلاً وطنياً» له الحق فى الوجود مثل حركة «كفاية»، لدرجة أن الكاتب «إبراهيم عيسى» كتب آنذاك صفحة كاملة يمجد فى المرشد، فى جريدة «الدستور القبرصية»، وهو المعارض الشرس لكل الجماعات الدينية، خاصة الإخوان.. بينما كان فريق آخر يكتب عن «الذراع العسكرية للإخوان» ويحذر من مفاهيم «الحاكمية لله وساعة التمكين».. إلخ.
ولم نصدق ربما حتى اقتحام السجون، وجاء «يوسف القرضاوى» إلى مصر فى «جمعة قندهار» عقب ثورة 25 يناير، متصوراً أنه سيُنصب إماماً للأزهر الشريف، فهو «مُنظر» جماعة الإخوان المسلمين وأحد قياداتها.. والذى جعل الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين «مظلة» لجمع الثروات لتمكين الإخوان حتى وصلنا إلى «طبلية أكل البط فى الاتحادية»!
هكذا لم نكن نعلم الحجم الحقيقى للإخوان إلا بعد أن توحَّشت فابتلعت سوريا ثم مصر، ثم أشعلت الحرب الأهلية فى سوريا.. فوجئنا بأننا أمام تنظيم مسلح يمتلك صواريخ وأسلحة متنوعة وجنسيات مختلفة وملاذات آمنة فى أوروبا وأمريكا وبعض الدول العربية.. ويهدد الشعب ويواجهه بالميليشيات ويتوعَّد بحرق البلاد.. وكلكم تذكرون التفاصيل.
ولم تكن جماعة الإخوان الإرهابية أخطر على مصر من التيار السلفى بكل أجنحته: (أحزاب دينية بالمخالفة للدستور، ومنابر إعلامية، ولجان وأبواق إلكترونية على الإنترنت، وكتائب حسبة تطارد المفكرين والمجددين، واختراق ممنهج لمختلف مؤسسات الدولة، وسيطرة على المساجد فى الصعيد والقرى النائية)؟!.. إنهم «ورثة الإخوان».
الحقيقة تؤكد أنهم أخطر على الدولة المدنية من كل المؤامرات الخارجية والإخوانية، وأن الشعب، الذى ثار على الفاشية الدينية فى 30 يونيو، يدخل تدريجياً فى حالة غيبوبة سلفية ويحتضن السلفى وكأنه منزَّل من السماء على رأسه هالة من النور.. فى اللحظة التى يدافع فيها السلفى باستماتة عن النقاب، أو يطالب بزواج القاصرات، أو يحلل ختان الإناث، أو يرتدى قناع التقية السياسية ليحرم الخروج على الحاكم، رغم أن التيارات السلفية كانت أول من احتل الشوارع فى 25 يناير تحت بند اللجان الشعبية، وأول من أسسوا الاعتصامات المسلحة فى رابعة والنهضة!
وبالتوازى مع هذه التيارات المعلنة كان «الفكر الصوفى» يتغلغل وينتشر تدريجياً، خاصة بعد محاولة استهداف الدكتور «على جمعة»، رئيس اللجنة الدينية بمجلس الشعب، ربما لأن الشعب المصرى بطبيعته يحب «آل البيت» كثيراً ويتبرك بهم (بعكس الفكر الوهابى) ويحرص على ارتياد الموالد.. وفى القلب «يقدس الأولياء الصالحين».
وحتى بعض المثقفين يرون فى الفكر الصوفى التسامح وقبول الآخر وحب الحياة، ويتغنَّى البعض بأشعار الأولياء منهم.. إلا أن المؤمن الفطن ينتبه كثيراً إلى أن تركيبة الجماعة الصوفية التى يأخذ المريد فيها الإذن بالذكر من «شيخ الطريقة» ويُقبِّل يده ويأخذ منه العهد، بل وهو من يسمح للمريد بأعداد الذكر، هى نفس تركيبة الجماعات التكفيرية «السمع والطاعة».. وهى أقرب ما يكون إلى «الحوزة العلمية عند الشيعة»، ويمكنك أن تضع الشيخ فى تماثل مع الملا.
أنا فقط «أدق ناقوس الخطر»: أولاً لأنه أصبح لدينا بالفعل «طائفية مجتمعية-دينية»، بمعنى أنك لن تجد اتفاقاً بين جموع الشعب على تفسير واحد لآية أو فهم واضح لحديث شريف: الميراث، الطلاق، الحجاب، «الطاعة».. إلخ تلك المفاهيم الدينية التى تُحدث شقاقاً فى المجتمع.. ثانياً: نحن لا نعلم بشفافية كاملة ميزانية تلك التيارات (القانون يحدد فقط نسبة للصوفيين عن إدارة الأضرحة)، ولا نعلم علاقاتهم بالكيانات المشابهة خارج البلاد.
لا نشق عن الصدور ولا نقيم محاكم تفتيش لكننا بالفعل لا نعلم شيئاً عن نواياهم ولا أنشطتهم التى «لا نراها».. أنا هنا أتحدث بشكل محدد عن الانقسامات داخل المجتمع، إنما أى فكر مهما اختلفت معه فأنا أحترمه.. أنا أسأل «الأجهزة المختصة»: هل لنا أن نطمئن تماماً لكل هذه الأمواج العاتية التى تتقاذف الناس؟؟
لا تُسقطوا أبداً من ذاكرتكم تجربة تنظيم الإخوان الذى كان «فصيلاً وطنياً»!.
نقلا عن الوطن