بقلم الأب يسطس الأورشليمى
عندما يشبع قلبك بالرب ستجد نفسك غير مُنجذباً للخطية، لأن النفس الشبعانة بالمسيح تدُوس عسل الخطية السام، والرّب هُو الصديق الذي لا يسمح بوجود أية مسافة بينه وبينك، سيعرف ما يحدث فيك من ضغطات وهمُوم وجرُوح، ويتفهم نفسيتك ومعاناتك..
فلنتقدّم بثقةٍ إلى عرش النعمة لكي ننال رحمةً ونجد نعمةً عوناً في حينه (عب16:4)، الرّب يتدخل لمساعدتك بحكمة وحنكة ومهارة، بلمسات حب عجيبة تُزيل الهّم وترفع الضغُوط وتشفي الجرُوح، لأن الصديق يُحب في كُل وقت (أم17:17)، وهُو يحبك دائماً حتى في أوقات فشلك وضعفك، وحينما تحزن قلبه بكسرك لوصاياه، حقاً هُو الصديق الحقيقي..
أنحدر بُطرس حتى وصل إلى أدنى نقطة، أنكر الرّب وهُو يسب ويلعن ويحلف، فهل تخلى الرّب يسُوع عن صداقته له؟! ألتفت الرّب ونظر إلى بُطرس، فتذكر بُطرس كلام الرّب (مر14؛ لو22)، إنها نظرة عجيبة قالت إن الرّب لا يزال يحبه، فتاب وأصبح رسُولاً عظيماً..
حينما تضعف وتخطيء يتصرف من السماء كصديق لك، يقُول:
وإن أخطأ أحد فلنا شفيع عند الآب يسُوع المسيح البارّ، وهُو كفارة لخطايانا، بل لخطايا كُل العالم أيضاً، راجع (1يو1:2)..
أنه صديقك الذي يحرص على نقاوتك ويود أن تسلك في القداسة التي بدُونها لن يرى أحد الرّب، لذلك ينبهك لكي لا تستمر في الخطية، ويُريد أن يحفظك من نتائجها المُدمرة، ولا يستخدم معك عصا التأديب المُؤلمة إلاّ بعد أن يُنبهك مرات عديدة، حتى تأخذ موقفاً رافضاً لها وتعترف بها، وتطلب التحرّر منها ، أمينة هي جُروح المُحب وغاشة هي قُبلات العدو، وكما قال الرب: فإن حرّركم الابن فبالحقيقة تكُونُون أحراراً، (أم6:27؛ يو36:8)، وصديقنا الذي يُحبنا في كُل وقت، ليس لديه فقط الرغبة أن يُساعدنا، بل ويمتلك أيضاً القُدرة التي بلا حدُود..
فمن ثم يقدر أن يُخلّص أيضاً إلى التمام الذين يتقدّمُون به إلى الله، إذ هُو حيّ في كُل حينٍ ليشفع فيهُم (عب25:7)، فتعال إليه وستلمس محّبة الله، وقوته الفائقة، وتتمتع وتشبع به، وتقُول له: أنت صديقي المُحب الذي يُحبني في كُل وقت إلى المُنتهى (أم24:18؛ يو1:13)..
لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كُل مَن يُؤمن به، بل تكُون له الحياة الأبدية (يو16:3)..
ماذا تفعل إذا وجدت نفسك ذات يوم وقد أحاطت بك المخاوف من كُل جهة، وتريد أن تحرمك هدُوء الذهن وسلام القلب ؟!
لا تستسلم فالآب السماوي الذي بذل ابنه لأجلك في قلبه لهفة نحوك لأنه يحبك ولا يُريد أن تفشل، هل يترك أبو الرأفة وإله كُل تعزية أبنه يغرق أمام عينيه ألا تدفعه محبته لكي يتحرك وينتشله ويحمله على ذراعيه؟!
لن يتركك أبداً إذا وضعت ثقتك كاملة فيه، بل سيمد يده القوية نحوك وسيحول هزيمتك إلى نُصرة، لماذا تترك ذهنك يفكر ويُفكر بلا هوادة سائراً في خط دائري ليعُود في كُل مرة إلى النقطة التي بدأ منها؟!
ألا تسمع صُوت الرّب وهُو يقُول: كفاكم دوران بهذا الجبل (تث3:2) هيا إلى مكان هاديء بعيداً عن الضجيج والصخب والضوضاء، وتأمل في محبته العجيبة، فهُو أعظم علاج للفشل والقلق واليأس، كم هي وعود الله قوية ترفع النفس وتُجدّد الذهن، وتملأ القلب بالسلام وتجلب الفرح، فأنت حبيب الرّب الذي يسكن لديه آمناً، يستره طول النهار وبين منكبيه يسكن.. راجع الكتاب المُقدس (تث12:33؛ مز91)..
الساكن في ستر العليّ في ظل القدير يبيت وأنت من ضمن المحبُوبُون من الله، وأحد خرافه الخاصة التي يحبها، وفي حضنه يحملها، ويقُود المرضعات وبذراعه يجمع الحملان ويدعُو كلا منها باسمه، الذي أحبني وأسلم نفسه لأجلي: محبة أبدية أحببتكِ من أجل ذلك أدمت لك الرحمة.. راجع (إش11:40؛ إر3:31؛ يو3:10؛ 1تس4:1)..
قد يضعف الشخص ويُخطيء فيجرح قلب الرّب المُحب، سواء بعدم الثقة في أمانته أو بالتعدي على كلماته، ومع هذا لا تتغير محبته أبداً..
الرّب ليس عندهتغيير، ولا ظل دوران (يع17:1)، تأمل كيف تمكنت السامرية أن تنتصر على عطشها الشديد لخطية النجاسة؟! تحولت من زانية مهانة إلى كارزة مقتدرة، فحب الرّب ملأ قلبها وأشبعها وارواها، ففاضت به إلى عطاشى آخرين، هل تحطم قاربك وصرت تُصارع الأمواج وحيداً؟! ألتفت إلى الأمام وستلمح الرب سائراً فوق المياه يتحداها مقترباً إليك ويقُول: أنني أحبك أنا معك، هات يدك وضعها في يدي..
يقُول الرّب: أليس عصفوران يُباعان بفلس؟ وواحد منهما لا يسقط على الأرض بدُون أبيكُم، وأما أنتُم فحتى شعُور رُؤوسكُم جميعها محصاة، فلا تخافوا أنتم أفضل من عصافير كثيرة، فكم أنت ثمين لديه؟! فلا تنظر إلى قاربك الذي تحطم، ولا تنصت إلى هدير المياه الرهيب، بل أغلق عينيك عن العيان، وأذنيك عن سماع كلمات التخويف، وأدخل مخدعك وأفتح كتابك الذي يُعلن عن حبي لك، وسيعود السلام إلى داخلك وستفرح بالقارب المُحطم، لأنه أعطاك فرصة ذهبية، لتختبر بعمق حبي وقُوتي وعنايتي بك..راجع الكتاب المقدُس (يو16:3؛ 1يو16:4)..