كمال زاخر
الجمعة ٢٥ سبتمبر ٢٠٢٥ 
مع كل اعلان عن حالة إختفاء (رضائي أو قسري) لفتاة أو سيدة، مسيحية، تقوم الدنيا في ردود فعل، متباينة بحسب موقع اصحابها من الواقعة، ما بين مهلل ومستنكر، ويخرج الأمر عن كونه حرية وقناعات  شخصية، وهو خروج له مبرراته وأسبابه، خاصة في المجتمعات المنغلقة المحكومة بتراثات ثقيلة وتعاني من عدم التحقق عند مكوناتها. 

القضية أعمق وأخطر من الأحكام القاطعة التي تنتهي إلى التأكيد المطلق. أو الإنكار الجازم، بين الرضاء والقسر، ضغطاً أو تحايلاً، وكلاهما يذهب إلى شيطنة من يخالفه.

وهذا أمر مرتبط بالمجتمعات التي تعاني من غياب الشفافية والحسم وغياب وجود قواعد منظمة لها عامة و (مجردة) وملزمة، والمعروفة بإسم (القانون) ولا تعرف مفهوم وخبرات المواطنة التي ترسخ المساواة والعدالة والحقوق والواجبات تأسيساً على انتساب المرء لوطنه، بغير ان يزاحم هذا الانتساب - أو يزيحه - انتسابات أخرى فئوية آو اثنية عرقية أو دينية، تستقوي بكونها أغلبية يحق لها صبغ مجتمعاتها برؤيتها الأحادية.

 رباعية تتضافر لتصنع كل اختلالات هذه المجتمعات، وتنتج سلسلة من الأفعال وردودها، تتسم بالعنف والجهامة والتحايل والمراوغة.

ويدرك كل اطراف المعادلة في محور الأسلمة، تضافر مدخلات عديدة تشكل اركانه؛ لعل اهمها:
* عند الأغلبية؛ تديين التعليم والثقافة، وانعكاس هذا على النصوص القانونية الحاكمة لحركة المجتمع.

* عند الأقلية؛ تديين القوانين المنظمة للشئون الشخصية، واسناد سَنّها، وفرضها، لرجال الدين حصراً، والمحكومون بتوجه التقييد تأسيساً على التعسف في تأويل النصوص، بحكم تكوينهم المتصحر.

* التراجع الاقتصادي الخانق المقترن بغياب الوعي (الى حد الجهل) في المجتمعات الأكثر تعرضاً لهذه الإشكالية، وعدم انتباه مؤسسات التكوين والتنشئة الراعية لدورها ومسئولياتها، لحساب اهتمامات ذاتية للقائمين عليها.

وثمة ملاحظة أخيرة في هذا الأمر هو تضافر سيطرة العار الاجتماعي مع العار الديني عند الطرف المفعول به في مقابل النشوة الاجتماعية الدينية عند الطرف الفاعل، الذي يراها - بحسب ما وقر في ذهن نشطائه - الزاماً دينياً دعوياً، يحسبونه فرض عين، فضلاً عن  مثابته الأخروية، ومن هنا يأتي دور جماعات الدعم ترويجاً وتخطيطاً وتمويلاً. وهي ليست بعيدة عن خيوط ارباك النسبج الاجتماعي وخلخلة وحدة وسلام واستقرار المجتمع. 

وفي مساعي لملمة تداعيات هذا الأمر يتم اهدار النَزْر اليسير من الضوابط الحاكمة المتاحة، بالجلسات العرفية التي تعمق الشرخ وتعطي ظهرها لأبسط قواعد العدالة. 

اللافت أن الحراك العكسي بالتحول إلى المسيحية يواجه بطوفان من الحصار والرفض والاستنكار، والإحالة إلى الاستجواب وربما المحاكمة، فيضطر المتحول اللجوء إلى عدم إعلان تحوله، أو الخروج إلى خارج وطنه!. 

المَخرج في عنوان كبير "عودة الروح للمواطنة وسيادة القانون والشفافية". وهو أمر منوط بالدولة ومؤسساتها، ولا يجب ان يترك لسياسات التحرك برد الفعل، ويتطلب إمتلاك جسارة إعادة فحص المواثيق القانونية وعلى رأسها الدستور، في تجسير للفجوة بينها وبين دساتير الدولة المدنية المبنية على المواطنة.