بقلم الأب يسطس الأورشليمى
أولاً: صار الموت خلال إيماننا بالمسيح رقاداً، إذ يقُول بولس الرسول:
ثم لا أريد أن تجهلُوا أيها الإخوة من جهة الراقدين، لكي لا تحزنُوا كالباقين الذين لا رجاء لهُم..
فالخاطيء وهُو حيّ ميت لله، أما البارّ فإنه وهُو ميت حيّ لله، مثل هذا الموت يُحسب رقاداً، كما يقُول داود: أنا اضطجعت، ونمت ثم استيقظت، واستيقظُوا يا سكان التراب (إش19:26)..
والرّب يقُول عن ابنه رئيس المجمع: الصبية لم تمت ولكنها نائمة، وعن لعازر قال لتلاميذه: لعازر حبيبنا قد نام، لكني أذهب لأوقظه، أنظر الكتاب المُقدس في هذه الشُواهد (مت24:9؛ يو11:11؛ أف14:5)..
إنه يدعُو الأموات بالراقدين، لأن نفُوسهُم قد تمتعت بالقيامة من الأموات خلال دفنها مع المسيح بالمعمُودية، فلا سلطان للموت عليها، فهي في حالة رقاد أو نوم مُؤقت إلى يوم الرّب العظيم حيثُ تستيقظ أجسادهُم لتتمتع بالمجد، فتُشارك النفس إكليلها، ويحيا الإنسان في أمجاد الحياة الأبدية، فإن كان الموت هُو راحة ورقاد، فالقيامة هي الحياة، الراحة حسنة لكن الحياة أفضل، استيقظ أيها النائم وقم من الأموات فيُضيء لك المسيح..
ثانياً: ما دام الموت رقاداً فإنه يليق بنا ألا نحزن بلا رجاء من جهة الراقدين كمَن هُم بلا إيمان، لقد قدس الرّب ببكائه مشاعرنا البشرية حينما بكى يسُوع، فلنشارك المتألمين آلامهم لكن في رجاء حيّ..
هُناك فارق كبير بين الاشتياق إلى ما فقدناه، والنحيب بيأس عليه، فليس الحزن فقط يسبب دمُوعاً، وإنما للفرح أيضاً دمُوعه، فالرسُول لم ينزع عنا بكلماته هذه مشاعرنا نحُو الراقدين، إنما يُحذرنا من الاستسلام للحزن، أما السرّ في ذلك هُو رجاؤنا الذي يتخطى حدُود هذه الحياة الزمنية، ليرى المُؤمن الأبدية مُعلنة في داخله، فيرتفع فُوق المتاعب والآلام..
ثالثاً: لأنه إن كنا نُؤمن أن يسُوع مات وقام، فكذلك الراقدُون بيسُوع سيحضرهُم الله أيضاً معه، والرسُول يسمى الأموات بالراقدين بيسُوع، أي أنهُم يحملُون الرّب في داخلهُم، لهذا لا يقوى الموت عليهُم، لأن في داخلهُم القيامة، وإن ماتُوا حسب الجسد، لكنهُم يقومُون بالمسيح الساكن فيهُم، فالقيامة ليست بغريبة عنهُم ولا بعيدة، وإنما في داخلهُم عاملة في أجسادهُم كما في نفُوسهُم، والرّب يسُوع المسيح إلهنا يُشجعنا قائلاً:
أنا هُو القيامةُ والحياةُ، مَن آمن بي ولُو مات فسيحيا، وكُل مَن كان حياً وآمن بي فلن يمُوت إلى الأبد، أنظر (يو25:11؛ رؤ17:7)..
يقُول الرسُول: عن غير المُؤمنين، أنهُم يحزنُون على رحيل أصدقائهُم بلا رجاء، أما نحنُ فنعيش في رجاء، ونُؤمن بالله ونثق أننا نسكن في المسيح الذي تألم عنا وقام، ونحنُ نقوم به وفيه، فلماذا لا نُريد الرحيل من هذه الحياة، بل ننتحب ونحزن على أصدقائنا عند رحيلهُم، كما لُو كانُوا مفقُودين بينما يقُول لنا الرّب يسُوع: أنا هُو القيامة والحياة، فإن كنا نُؤمن بالمسيح، فلنُؤمن بكلماته ومُواعيده أننا لن نموت إلى الأبد، لنأت إليه بثقة أكيدة وفرح وسرُور، هذا الذي به نغلب ونملك إلى الأبد..
رابعاً: يُعلن الرسُول عن قيامة الراقدين ومجدهُم، قائلاً: سيحضرهُم الله أيضاً معه، هذا هُو سرّ مجدهُم وكرامتهُم أنهُم سيكُونُون معه، وهُو يكُون معهُم وفي وسطهُم، أنظر الكتاب المُقدس (رؤ17:7؛ 3:21)..
لقد سمع القديس يُوحنا الحبيب صُوتاً من السماء يصف الحياة الأبدية: هُوذا مسكن الله مع الناس، وهُو سيسكُن معهُم، وهُم يكُونُون له شعباً، والله نفسه يكُون معهُم إلهاً لهُم، وسيمسح الله كُل دمعةٍ من عيُونهُم، والمُوت لا يكُون في ما بعد، ولا يكُون حُزنٌ ولا صراخٌ ولا وجعٌ في ما بعد..
وكأن الرسول يُوجه حديثه، قائلاً: حينما تطلب ابنك، ابحث عنه حيثُ يُوجد الملك وجيش الملائكة، لا تطلبه في القبر على الأرضِ، لئلا بينما يكُون هُو مرتفعاً في الأعالي، تبقى أنت زاحفاً على الأرضِ..
خامساً: يتحدث عن لقاء الراقدين والأحياء معه، قائلاً: فإننا نقُول لكُم هذا بكلمة الرّب: إننا نحنُ الأحياء الباقين إلى مجيء الرّب، لا نسبق الراقدين، لأن الرّب نفسهُ بهتافٍ، بصُوت رئيس ملائكة وبُوق الله، سُوف ينزل من السماء والأموات في المسيح سيقُومُون أولاً، ثم نحنُ الأحياء الباقين سنُخطف جميعاً معهُم في السُحب لملاقاة الرّب في الهواء، وهكذا نكُون كُل حينٍ مع الرّب، لذلك عزُوا بعضكُم بعضاً بهذا الكلام..
لقد أراد أن يُظهر بأن القيامة ليست بالأمر الصعب على الله، فإن الذي يختطف الأحياء لملاقاته في السّحب، يستطيع أيضاً أن يُقيم الأموات ليكُون لهُم ذات النصيب، نحنُ الأحياء الراقدين، لا يقصد بها الرسُول نفسه والجيل العاصر له، إنما قصد المُؤمنين الذين يبقُون حتى يوم مجيئه..
قُوله: نحنُ، علامة الوحدة في الكنيسة، فما يتحقق مع أولاده الذين يكُونُون أحياء في ذلك الحين، يحسبه الرسُول كأنه يتحقق معه..
إن كان الرّب نازلاً، فلماذا نُختطف نحنُ إلى فُوق في السّحب ؟!
من أجل الكرامة، فإنه عندما يدخل ملك مدينة ما، يخرج إليه أصحاب الكرامة لملاقاته، أما المدانُون فيبقُون في الداخل ينتظرُون القاضي، وعند مجيء أب حنُون يأخذ أولاده الحقيقيُون، ومَن هُم مستحقُون أن يكُونُوا كأولاد له في مركبة ليخرجُوا وينتظروه ويقبلُونه، أما الخدم المُخطئُون فيبقُون في الداخل، هكذا نحنُ نُحمل في مركبة أبينا في السُحب..
فقد أخذ الرّب وارتفع هُو في السّحابة (أع9:1)، ونحنُ أيضاً نُخطف في السّحب، أية كرامة هذه ؟! إنه ينزل إلينا فنصعد نحنُ لملاقاته !!
أن اختطاف المُؤمنين على السّحاب، لكي يلتقُوا بالرّب القادم إليهُم ويكُونوُا معه إلى الأبد، إنما هي علامة التغيير الذي يتم في أجسادنا، فتتحوّل من الفساد الذي كان يُمثل ثقلاً يجتذبها نحُو الأرض إلى عدم الفساد فترتفع خفيفة مُنطلقة إلى السّحب لملاقاة الرّب في الهُواء..
فإننا نقُول لكُم هذا بكلمة الرّب: إننا نحنُ الأحياء الباقين إلى مجيء الرّب لا نسبق الراقدين، لأن الرّب نفسه بهتافٍ، بصُوت رئيس ملائكة وبُوق الله، سُوف ينزل من السماء والأموات في المسيح سيقُومُون أولاً، ثُم نحنُ الأحياء الباقين سنُخطف جميعاً معهُم في السّحب لملاقاة الرّب في الهُواء، وهكذا نكُون كُل حينٍ مع الرّب، لذلك عزُوا بعضكُم بعضاً.. أنظر وتأمل في الكتاب المُقدس (1تس15-18)..