عيد القدّيس إيرونيمُس (جيروم)
الأب جون جبرائيل الدومنيكانيّ
 
«مَن يجهل الكتاب المقدّس يجهل المسيح» ق. جيروم
اليوم، في تذكار القدّيس جيروم وفق الطقس اللاتينيّ 30 سبتمبر، نشكر الله من أجل جيروم الذي عاش في بيت لحم، وتضلّع من العبريّة واليونانيّة واللاتينيّة، ترجم الكتاب إلى اللاتينيّة «الفولجاتا» وخَلَّف لنا وصيّته الشهيرة: «جَهلُ الكُتُب المقدّسة هو جهلٌ بالمسيح».
 
لماذا يخصّنا إرثُه اليوم في مصر؟
لأن واقعنا يعرف أمرين معًا: ضعفًا في الدرس المنتظم للكتاب، وانتشارًا لقراءةٍ حرفيّةٍ أصوليّة تختزل الوحيَ إلى "نصوص جاهزة" وتفصّلها بعيدًا عن قصد الكتّاب الملهمين وأجناسهم الأدبيّة وسياق الكنيسة الجامعة. وقد نبّهت اللجنة الحبريّة البيبليّة إلى أنّ الأصوليّة تُسيء إلى الحقيقة الكتابيّة، إذ «تدّعي حرفيّةً لا تعرف حدود اللغة البشريّة ولا تاريخية النصّ»، وتُنذِر بعجزٍ فكريّ وروحيّ لأنها ترفض الحوار مع العلم وتقليد الكنيسة.
 
كيف يعلّمنا جيروم أن نقرأ؟
عودة إلى الأصول: شجّعت الكنيسة، منذ  رسالة البابا بيوس ال ١٢ Divino Afflante Spiritu، على الرجوع إلى اللغات الأصليّة وأدوات النقد التاريخيّ الأدبيّ «لكي يُفهم قصد الله كما عبّر عنه الكتّاب»؛ لا لإضعاف الإيمان، بل لحمايته من إسقاطاتنا.
 
معايير التفسير الكنسيّ: تدعو وثيقة كلمة الله في المجمع الفاتيكانيّ الثانيإلى الإصغاء لقصد المؤلّف وأجناسه الأدبيّة، وقراءة النص «في روحٍ واحد» داخل التقليد الحيّ ووحدة الإيمان. فالحقيقة الكتابيّة تُدرَك ضمن هذا النسيج، لا خارجَه.
 
٣. "الكلمة تُقرأ ونحن راكعون": يذكّرنا إرشاد "كلمة الربّ" للبابا بندكتوس ال ١٦ بأنَّ «الدرس والعبادة» لا ينفصلان: lectio divina (القراءة الإلهيّة) طريقٌ تُنزِل الكلمةَ من الرفّ إلى القلب، وتربط الدراسة بالصلاة والشهادة.
 
تمنّيّات:
أتمنّي أن تنظّم في الرعايا والكنائس والأديرة دَورات قصيرة في «مدخل إلى الكتاب المقدّس» و«أجناس الكتاب الأدبيّة وأساليبه»، مع تذوّق أساسيات اليونانيّة والعبريّة للألفاظ المفتاحيّة، كي يلمس المؤمنون جمال النصّ الأصليّ.
حلقة " قراءة إلهيّة" Lectio Divina أسبوعيّة: نصوص قداس الأحد تقرأ في أربع خطوات: (قراءة–تأمّل–صلاة–قرار)، مع دليل مبسّط يراعي سياق الحياة المصريّة (العمل، السكن، الواقع الصعب).
 
خُطَب بلا «قصّ ولصق»: يلتزم الواعظ والخادم والخادمة بثلاثة أسئلة قبل أي اقتباس: ماذا قصد الكاتب؟ كيف فهمت الكنيسة هذا النصّ؟ ما القرار العملي اليوم؟ (تطبيقٌ مباشرٌ لمعايير  وثيقة كلمة الله بند ١٢.
 
نَقدٌ راعويّ للأصوليّة: لقاءٌ يشرح، بلغة بسيطة، الفرق بين «المعنى الحرفيّ» الصحيح و"الحرفيّة الأصوليّة"، مستندًا إلى وثيقة اللجنة الكتابيّة ١٩٩٣.
أن تحتوي كلّ كنيسة على مكتبة كتابيّة صغيرة: توفير ترجمات للكتاب المقدّس بها مُراجَعة وهوامش دقيقة.
 
صوت الآباء… وصوت اليوم
اختبرت كنيسة الإسكندريّة تعدّد «معاني الكتاب» (الحرفي والروحي) من دون أن تقع في التبسيط أو الأصوليّة. هذا الإرث مع جيروم وغيره يدعونا إلى توبةٍ كتابيّة: أن نكسر كسلَ القراءة وأن نُخضِع أهواءنا لمقاصد الوحي، وأن نُعلّم شعبنا كيف يميّز بين «تفسيرٍ يبني» و«استخدامٍ يُشوّه». «ليكن الكتابُ روحَ وعينا اللاهوتي ورسالتنا»، كما قال المجمع: «إن دراسة الصفحة المقدّسة هي، كأنّها، روح اللاهوت».)
 
صلاة 
يا ربّ، يا مَن ألهمتَ عبدك جيروم محبّةَ كتابك، هَبْ لكنيستك في مصر جوعًا لكلمتك، وحكمةً تُبعدها عن الحرفيّة العمياء، وجرأةً تربط الدراسةَ بالصلاة والعمل. اجعلنا، تلامذة وبسطاء، نعرف الكتاب فنَعرف المسيح. آمين.
مراجع:
– المجمع الفاتيكاني الثاني، كلمة الله.
– بيّوس الثاني عشر، Divino Afflante Spiritu (1943).
– اللجنة الحبريّة الكتابيّة، «تفسير الكتاب المقدّس في الكنيسة» (1993).
– بندكتس السادس عشر، إرشاد "كلمة الربّ"
للإبرة وخزاتٌ أخرى:
#الإبرةالمصدّيّة