الأب جون جبرائيل الدومنيكانيّ
اللاهوت البيئي فرعٌ من فروع علم اللاهوت المسيحي يدرس علاقة الله بالخلق كلِّه، ويبحثُ في مسؤولية الإنسان الروحية والأخلاقية تجاه «بيتِنا المشترك» (الأرض) بوصفه عطيةً من الله وعلامةً لشركةٍ معه ومع القريب.
في علم اللاهوت الحديث يرتكز هذا الحقل إلى مفهوم «الإيكولوجيا المتكاملة» التي توحِّد العدل الاجتماعي بحماية البيئة: لا توجد "أزمتان منفصلتان، بل «أزمةٌ واحدة معقّدة اجتماعية–بيئية». (رسالة البابا فرنسيس، كن مسبَّحًا).
الجذور الكتابية والآبائية
يقدّم الكتاب المقدّس الخلق على أنّه كتابٌ يكلّمنا اللهُ من خلاله، ويُلزم الإنسانَ بحراثة الأرض وحراستها معًا، لا تسخيرِها بلا ضابط (تك 1–2). ويذكّرنا التقليد الروحيّ عند القدّيس فرنسيس بأن التسبيح لله يمرّ عبر الأُخوّة مع المخلوقات كلّها، لا بتأليه الطبيعة ولا باستباحتها. هذه الرؤية يستعيدها البابا فرنسيس حين يصف الأرض «أختًا وأمًّا» تُسَبِّح الخالق وتئنّ من أذانا. (رسالة البابا فرنسيس، كن مسبَّحًا).
تشكّلُ اللاهوت البيئيّ في التعليم الكنسيّ الحديث
البابـا القدّيس يوحنا ٢٣ (١٩٦٣): في رسالة "السلام في الأرض" وجّه الخطاب «إلى جميع ذوي الإرادة الصالحة»، ممهدًا لخطابٍ كونيّ حول الخير العام والسلام والحقوق، وهو الإطار الذي ستدخل فيه مسألة البيئة لاحقًا.
البابا القدّيس بولس السادس (١٩٧١): نبّه باكرًا إلى «الأزمة الإيكولوجية» بوصفها ثمرة ممارساتٍ إنسانية غير منضبطة (تُستعاد هذه الخلاصة في "كن مسبَّحًا").
البابا القدّيس يوحنّا بولس الثاني (١٩٩٠): دعا إلى «توبةٍ إيكولوجية» وربط السلام بـ«السلام مع الخليقة» في رسالة اليوم العالمي للسلام: السلام مع الله الخالق، السلام مع كل الخليقة.
البابا بندكتوس ال١٦ (٢٠٠٩): في رسالة "المحبّة في الحقيقة" شدّد على أنّ تدهور الطبيعة مرتبطٌ بتدهور الثقافة والعلاقات الاجتماعية، ودعا إلى نماذج تَقدُّم تحترم البيئة والإنسان معًا.
البابا فرنسيس (٢٠٢٥، ٢٠٢٣): في "كن مسبَّحًا" رسمَ لاهوت «الإيكولوجيا المتكاملة» وربط صرخة الأرض بصرخة الفقراء؛ وفي الإرشاد "سبِّحوا الرب" (Laudate Deum) جدّد النداء مُلمِّحًا إلى استعجال الاستجابة الأخلاقية–السياسية لأزمة المناخ.
البُعد المسكونيّ والروحيّ
الحوار المسكونيّ بين المسيحيّيين أثرى هذا الحقل: فالبطريرك المسكونيّ برثلماوس نبّه إلى «الخطيئة البيئية» بوصفها خطيئة ضدّ الله والإنسان والخلق، ودعا إلى ارتدادٍ من الاستهلاك إلى الزهد السخيّ والمشاركة. كما طوّر مجلس الكنائس العالمي مقاربةً لاهوتيةً رعوية بيية تحت عنوان "ازرعوا واحرِصوا" تربط الإيمان بالخلق والتجسّد والروح القدس بالمسؤوليّة البيئية.
مراجع
البابا فرنسيس، كُن مُسبَّحًا: حول العناية بالبيت المشترك.
البابا فرنسيس، سبِّحوا الرب (Laudate Deum) – إرشاد رسولي (2023).
القديس يوحنا بولس الثاني، رسالة اليوم العالمي للسلام 1990: السلام مع الله الخالق، السلام مع كل الخليقة.
البابا بندكتس السادس عشر، المحبّة في الحقيقة (2009).
البطريرك برثلماوس: خطاباتٌ عن «الخطيئة البيئية» و«الأرض سرّ شركة».
مجلس الكنائس العالمي، ازرعوا واحرِصوا: لاهوت العناية بالخليقة (2020).
#اللاهوت_البيئي





