من كتاب «القداسات الثلاثة متقابلة مع الضبط والشرح
الأب القس كيرلس كيرلس
قراءة: كمال زاخر
تلقيت قبل سنوات عديدة هذا الكتاب إهداءً من كاتبه أبي وصديقي القس كيرلس كيرلس، كاهن كنيسة مار جرجس بخماروية بشبرا، رحل الكاتب إلي المجد، وتاه الكتاب وسط كتب تحتشد بها رفوف مكتبتي، وفيما كنت أحاول ترتيبها، وهي مهمة لو تعلمون ثقيلة، انتبهت لهذا الكتاب، كنت أظنه تنويعة على كتب الخولاجيات، تلك الكتب التي ترتب عرض صلوات الكنيسة الطقسية وتحديداً القداسات، تساعد المُصلي على تتبع ما يُتلى من صلوات، سواء بالعربية أو القبطية،
لكنني تفاجأت أنه دراسة عميقة، ومجهدة، قال عنها الدكتور جورج حبيب بباوي في تقديمه له: أنه "محاولة جادة وشاقة للكشف عن الأعماق الروحية للقداس الإلهي، ومحاولة بحث عن التاريخ والطقس واللاهوت ... وقد زيَّن الأب كيرلس كيرلس دراسته بأقوال الآباء، كما اعتمد على مصادر التاريخ القديم، وأضاف ً يا صديقي القاريء علينا أن نمزج الصلاة بالمعرفة، لكي تتقدم وتنمو الصلاة، ثم علينا أن نمزج المعرفة بالصلاة لكي تصل معرفتنا إلى إختبار الأمور التي درسناها، وكل صلاة بمعرفة هي وصول بالمعرفة إلى الصلاة، وعندما تصل معرفتنا إلى مجال الشركة مع الله ـ أي الصلاة فهي في النهاية باقية معنا إلى اليوم الذي نقوم فيه في مجد المسيح.
يتتبع الكاتب تاريخ القداس منذ ارهاصاته الأولي التي اسسها الرب يسوع المسيح مع تلاميذه عهداً جديداً، قبيل صلبه، فيما يعرف بالعشاء الرباني، وينقب عن تنوع القداسات، وتطور ترتيبه كوثيقة حياتية تتفاعل مع الإنسان وتواصله مع الله، والتي تنتهي بلقاء حميمي بينهما، يؤكد عضوية المرء في جسد المسيح. وثباته فيه.
أعِدُ االقارئ بعرض هذا الكتاب بشكل أعمق لما يحمله من رؤى تضبط كثير من القضايا الملتبسة وربما المرتبكة في زماننا هذا الذي يئن من السيولة اللاهوتية.
ما انقله اليوم طرح الكاتب للضوابط التي يتوجب الإلتزام بها عند حضور القداس، والتي افرزتها خبرته الكنسية ككاهن وباحث، وقد تتفاجأ معي بما أورده تفصيلاً متعلقاً بطهارة الجسد، كما رآها أباء الكنيسة الأعمدة، والتي تحسم الجدل حولها، وسوف أعرضها كما هي في جزء ثان.
دعونا نعود لوصايا الاب الكاهن والتي يقول فيها:
يجب أن يَرَعي من يحضر القداس، أو يتناول، الوصايا التالية:
1 ـ أن يقوم بخدمة هذا السر كاهن مشرطن قانونياً آخذاً من الرس؛ يقول القديس أغناطيوس (30 ـ 107م.) "فلا الأفخارستيا ولا المعمودية ولا الأغابي (طعام المحبة) تقوم بدونه.
2 ـ أن يغفر لأخيه ويصطلح معه كقول الرب "إذهب أولاً واصطلح مع أخيك ... تعال قدم قربانك" (متى 5 : 24)، ويقول القديس يوستين الشهيد (150م.) "هذا الطعام ندعوه أفخارستيا (الشكر) ولا يُسمح لأحد أن يشترك فيه إلا:
ا ـ الذي يؤمن أن ما نعلم به هو حق.
ب . أن يكون قد نال الإغتسال (المعمودية) أي غفران الخطايا والتجديد.
جـ . أن يكون سالكاً حسبما أَمَرَنا السيد المسيح، فكل من كرَّس نفسه للمسيح عليه أن
يسلك خارج الكنيسة بنفس السلوك الذي كان عليه داخلها.
3 ـ أن يكون طاهر القلب والضمير ، كل من هو طاهر فليتقدم، والذي ليس طاهراً فليتب (الديداخي)، بالإضافة إلى طهارة الجسم أيضاً، فلنتقدم بقلب صادق بيقين الإيمان مطهرة قلوبنا من ضمير شرير، ومغتسلة أجسادنا بماء نقي (عبرانيين10 : 22).
4 ـ أن يحضر مبكراً ولا يكون متكاسلاً أو متهاوناً ... أنا أحب الذين يحبونني والذين يبكرون إليَّ يجدونني (أمثال 8 : 17).
5 ـ أن يكون صائما (تسع ساعات على الأقل)، مهتماً بالطعام الباقي للحياة الأبدية.
كذلك الصوم عن المعاشرات الزوجية؛ يقول العلامة أوريجانوس: لأنه إن كان الشخص، لكي يسمح له أن يأكل من خبز الوجوه يلزم أن يكون بعيداً عن النساء (1 صم 21 : 4)، فماذا إن كان سيتناول الخبز، الخبز الذي هو أعظم من خبز الوجوه ذلك الذي استُدعىَ عليه إسم الله والمسيح بالروح القدس، ألا ينبغي أن يكون هذا الإنسان أكثر طهارة؟ حتي يتناول بالحق من الخبز للخلاص.
وفي هذا تقول الدسقولية، قوانين الرسل، الزواج مكرم والمضجع غير دنس، فالرجل والمرأة إذا عرفا بعضهما بعضاً في الزواج، فلا يحرصا على الاستحمام الطقسي، بل ليصليا، ولا يستحما لأنهما طاهرين (الدسقولية 33 : 120)، ولكن كما يقول القديس تيموثاوس أنه يتعين عليهما أن يمتنعا في أيام السبوت والآحاد لأن الذبيحة تقدم في هذين اليومين (سؤال 13)
6 ـ أن يدخل في حضرة الله بكل هيبة ووقار، ويسجد أمام الهيكل متمثلاً بداود الملك: أما أنا فبكثرة رحمتك أدخل بيتك وأسجد أمام هيكل قدسك بخوفك (مزمور 5 : 7). وأن يقف أثناء القداس، يقول القديس يوستين الشهيد "نقوم جميعاً واقفين ونقدم الصلوات."
7 ـ أن يلزم الصمت، لأنه في حضرة الله، الرب في هيكل قدسه، فلتصمت أمامه كل الشعوب. (حبقوق 2 : 3). والذي يتكلم في الكنيسة يخرج، ولا يتقرب من السرائر ، فكم بالحري من يضحك، ولا يبصق أحد ـ في منديل ـ دون ضرورة وجع؟
8 ـ أن لا يخرج قبل انتهاء القداس، لأن ذلك:
أولاً : يعطل على الآخرين عبادتهم، ويقطع شركتهم واتصالهم بالله.
ثانياً: يعطي قدوة سيئة فيخرج الباقون وراءه.
ثالثاً: يدل على أنه لم يطق ولم يحتمل أن يمكث مع الله هذه المدة القصيرة، فكم بالحري مع المسيح في الأبدية.
رابعاً: يُحرم من البركة الختامية، ولا يخرج أحد إلا بعد رفع القربان وبركة الكاهن والتسؤيح. وحتى لا نتشبه بيهوذا الذي خرج قبل أن يأخذ البركة الأخيرة مع يسوع.
لذا يجب علينا أن نعلم أولادنا كيف يدخلون البيعة ويخرجون، ويكون الأب والأم مع الأطفال، في مكان قريب من الباب، حتى لا تحدث شوشرة عند الخروج للضرورة.
9 ـ أن تكون الملابس سواء بالنسبة للرجال أو النساء في حشمة ووقار، وأن تغطي المرأة رأسها، علامة الخضوع من أجل الملائكة (1 كو 11 : 2و 10)، ولا يطقطف أحد اصابعه، أو يستخدم مِسبَحَة، أو يهز رجاه، أو يضع رجل على رجل. ببيتك يارب تليق القداسة ,, ولا يكون سلام (تحية) إلا أثناء القُبلة المقدسة.
10 ـ أن ينظر إلى المسيح ولا ينظر إلى الداخل والخارج. "ناظرين إلى رئيس الإيمان ومكمله يسوع" (عبرانيين 12 : 4).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نلتقي في مقال تالٍ مع الجزء الثاني : طهارة الجسد، كما رآها أباء الكنيسة الأعمدة.





