بقلم الأب يسطس الأورشليمى
بالمحبة نسند الذين يعملُون معنا، ونحترم مواهبهُم ولا نكبتها، ولنُسرّ بالأكثر حينما يُمارسُون كمال حريتهُم، منصتين وسامعين إليهم بكُل تقدير لشخصياتهُم ولا نحاول أن نلغي وجودهُم، شجعُوا صغار النفُوس، اسندُوا الضعفاء، تأنُوا على الجميع، راجع الكتاب المُقدس (رو1:15؛ 1تس14:5)..
يقُول داود: اتقُوا (خافُوا) الرّب يا جميع قديسيه (مز93)، فلماذا يقُول الرسُول: المحّبة الكاملة تطرح الخُوف إلى الخارج (1يو18:4)؟!
هنا يكشف عن: نُوعين من الخُوف: النُوع الأول يخص المُبتدئين، أما الثاني فيخص القديسين الكاملين الذين بلغُوا إلى قامة الحُب الكامل..
فمن يطيع أرادة الله بسبب خُوفه من العذاب يكُون خُوفه مبتدئاً، وأما الذي يُنفذ أرادة الله بمحّبة لكي يُرضيه، وقد بلغ بهذا الحُب إلى الخُوف الكامل، لئلا يفقد تمتعه بالله، هذا الخُوف الكامل يطرد الأول خارجاً..
الإنسان الذي لا يضع أمامه إرادة الله كهدفٍ له في حياته يصير تحت الخطر، فإنه في الصحة يظهر عمل المحّبة لأعمال الرّب، وفي المرض يحتمل، ويُمارس الصبر بفرح وسرُور، فالخطر الأول هُو بعدم ممارسة إرادة الله يفصل الإنسان نفسه عن الرّب، ويقطع نفسه عن شركة إخُوته والخطر الثاني مع عدم استحقاقه يُخاطر، فيشترك في البركات المُعدة للمُستحقين لها، وهُنا يلزمنا أن نتذكر كلمات بُولس الرسُول:
أن لا تقبلوا نعمة الله باطلاً، أي ألا يقبلوا نعمة إلهية عظيمة برُوح التهاون، ولا يسقطُوا من كرامة عظيمة بالإهمال في تحقيق إرادة الله، بل يطيعُوا القائل: أنا الأسير في الرّب، أسألكُم أن تسلكوا بما يليق بالدعُوة التي دعيتُم بها، بكُل تُواضع ووداعة، وبطُول أناة، مُحتملين بعضكُم بعضاً في المحّبة، مجتهدين أن تحفظوا وحدانية الرُوح برباط السلام، جسد واحد، ورُوح واحد، كما دعيتم أيضاً في رجاء دعُوتكُم الواحد، رّب واحد، إيمان واحد، معمُودية واحدة، راجع (أف1:4-5؛ يع10:3)..
حقاً أن كثيرين من الرهبان، لم يتذُوقُوا هذه الحلاوة والقُوة الإلهية، ولم يقتنُوها ظانين أنهُم قد نالوها، بالرغم من عدم جهادهُم، أما من يجاهد لأجلها فينالها خلال المراحم الإلهية، لأن الله لا يُحابي الوجُوه، فاجتهدُوا أن تنالوا هذه القُوة، فتصنعُوا كُل أعمالكُم بسهُولة ويُسر، وتصير لكُم دالة عظيمة قدام الله ويهبكُم كُل ما تطلبُونه بحسب سُؤل قلُوبكُم (مت21:17)..
المُؤمن هيكل الله قد تخصّص، وتكرّس لخدمة الله الذي وعد أن يسكن في أعماقه، ويسير معه ويقبله ابناً له، فكيف يمكن أن تتحقق موافقة بين هيكل الله وهيكل الوثن؟! الله إله غيُور لن يقبل أن يُعطي مجده لآخر، ولا أن يشترك مع آخر في ذات القلب، وليس شيء أكثر دنساً ونجاسةً في عيني اليهُودي من إقامة وثن في هيكل الرّب..
هكذا لا يليق الشركة والخلطة بين العبادتين، فالوثني لن يعبد الله خالقه، والمسيحي لن يعبد وثن، فإن اشترك الاثنين في عبادة واحدة، أو تزُوج الاثنان ليعيشا في بيت واحد، كيف يتحقق ذلك؟!
يُؤكد اشتياق الله لإقامة بيته المُقدس في قلب المُؤمن كهيكلٍ خاص به، إنه ليس بعابر طريق، إنما هُو مالك القلب وساكن دائم فيه، يسير في أعماقه ويُعلن أنه إلهه، لا يُشاركه أحد معه..
يتقبل عمله الإلهي، وذلك من تعليم واستنارة، وعُون وحماية، وقيادة، بل ببركات إلهية لا حصر لها، وبسبب سكناه تنال كُل ما يخص الله الآب، والابن الوحيد، والرُوح القُدس، وحينئذٍ تصير لنفسك شركة مع الرُوح، فتكُون أبناً ووارثاً لله، راجع الكتاب (رو17:8)..
باعتزالهُم الأشرار لن يخسرُوا شيئاً، إذ تنفتح أعينهُم ليرُوا الله أباً لهُم ويدخل المُؤمن في الانتساب إلى الأسرة الإلهية، فيحمل حياة سماوية مُقدسة متهللّة آمنة، يقُول هذا: الرّب القادر على كُل شيءٍ ضابط الكُل..
لقد قدم لنا الله في حنُو محبته وصايا مطهرة، حتى أننا إن أردنا، نقدر بمراعاتنا للوصايا أن نتطهر، لا من الخطايا فحسب، بل ومن الشهُوات أيضاً، لأن هُناك فرق بين الخطايا والشهُوات، فما هُو ؟!
فالشهُوات هي: مثل الغضب والزهُو والكبرياء وحُب الملذات والكراهية والشهُوات الدنسة وما شابه ذلك، أما الخطايا فهي: تنفيذ هذه الشهُوات عملياً بمعنى أن الإنسان بجسده ينفذ الأعمال التي تثيرها فيه شهُواته، فيمكن أن تكُون له شهُوات، ولكنه لا يخرجها إلى حيز التنفيذ..
كانت شريعة العهد القديم تهدف إلى: تعليمنا عدم صنع ما لا نُريده لأنفسنا، وبالتالي حرمت علينا مجرد التنفيذ العملي للشرّ، أما شريعة العهد الجديد، فإننا مطالبُون بطرد الشهُوة ذاتها التي تدفعنا نحُو الشرّ، فنطرد البغضة ذاتها ومحبة الملذات وحُب الكرامة وغير ذلك..
ليتنا نتطّهر حتى تظهر صُورة الله فينا، هذا ما يُريده الله مناّ، أن نكُون بلا دنس ولا نقص ولا عيب، فيظهر الجمال الأول الذي للفضيلة، ونقُول مع داود: يارّب بجمالك أعطيت جمالي قُوة (مز29)..
مخافة الله هي رأس الحكمة، وأساس الحياة المُقدسة، فالله القدُوس يعمل في خائفيه الذين يترجُون رحمته، فالمُؤمن يلتزم أن يهرب من كُل ما يُدنس جسده سواء العين أو الأذن أو اليد أو البطن خلال النهم والزنا والكسل، وما يُدنس النفس سواء الاستماع بمديح الآخرين، هذا من الجانب السلبي، أما الجانب الإيجابي فهُو التمتع بمخافة الرّب كأبناء يحرصُون على مشاعر أبيهُم القدُوس، بهذا يتمتع المُؤمن بفكر المسيح، ويسلك في طريق القداسة ليتمتع بكمالها، فإن أراد أحد أن ينال حُب الله، ليكن فيه مخافة الرّب لأن الخوف يولّد بكاء، والبكاء يولّد قُوة (مز10:111)..
وإذا ما كملت هذه كُلها في النفس تبدأ النفس تثمر في كُل شيء، وإذ يرى الله في النفس هذه الثمار الحسنة، فإنه يشتمها رائحة بخُور طيبة زكية، ويفرح بها هُو وملائكته ويُشبعها بالفرح ويحفظها في كُل طرقها حتى تصل إلى موضع راحتها دُون أي ضرّر (سيراخ16:1)..