بقلم الأب يسطس الأورشليمى
هذا ما كان عليه شمال قطاع غزة قبل أحداث 7 أكتوبر 2023م
بيت حانون: تقع بلدة بيت حانون على بعد 8 كم شمالي شرقي مدينة غزة، ويبلغ عدد سكانها حوالي عدة الاف ، وهي أول بدلة يراها المسافر إلى غزة عبر حاجز بيت حانون " ايريز " العسكري الإسرائيلي. تقع البلدة على يسار الطريق الداخل إلى قطاع غزة من حاجز ايرز السيئ السمعة. يفصل هذا الحاجز غزة عن إسرائيل، وبالتالي عن الضفة الغربية فصلاً تاماً. ورغم أن طريقا – يفترض أنه آمن – قد فتح قبل أشهر بين غزة والضفة يبدأ من قرية ترقوميا بمنطقة الخليل جنوب الضفة ويصل إلى غزة، إلا أن الفصل بين الضفة وغزة الذي يمثله حاجز ايريز ما زال قائما.
تبلغ مساحة أراضي بيت حانون حونالي 25 الف دونم، وترتفع حوالي 50 متراً عن سطح البحر. ومن المعالم الطوبوغرافية المميزة في بيت حانون واديها، وكذلك تل النصر، وقد كان للاثنين دور عسكري مهم اثناء الحروب الصليبية، هذا إلى جانب جامع النصر المعاصر لتلك الفترة. ككل المناطق في غزة فإن أهم وإجمل المباني التاريخية في بيت حانون هي مساجدها، وخاصة مسجد النصر الواقع على يسار الطريق الرئيسي المؤدي إلى مدينة غزة جنوباً. بناء على النقوش على حجر الأساس بالمسجد ا، فإنه بني سنة 637 هجري (" 1239 ميلادي ) على يد الأمير شمس الدين سنقر المشار إليه بالنقوش (Isfihsalar) والتى تعني بمفهوم اليوم ( لواء ) في جيش الملك الأيوبي الكامل. بني هذا المسجد بمناسبة انتصار المسلمين تحت قيادة هذا الأمير على الصليبيين بقيادة الكونت هنري دوبار. وبالقرب من الموقع هناك مقبرةخ لشهداء المسلمين الذين سقطوا في هذ1ه المعركة. والمسجد مبني من حجر رملي ويضم ثلاث غرف، واحدة منها مغطاة بقبة، أما الغرفتان الأخريانفهما مكسوتان بعقود مصلبة. وقد بنيت غرف إضافية للمسجد في فترات لاحقة. وتتميز بلدة بيت حانون بزراعة أشجار الحمضيات والزيتون والتين والعنب والتفاح واللوز وغيرها.
بيت لاهيا: تقع بلدة بيت لاهيا على بعد حوالي 7 كم شمالي غربي مدينة غزة على يمين الشارع المؤدي إلى المدينة، ألأي بعد كيلو متر واحد من بيت حانون، وتقع كلتاهما في أقصي الطرف الشمالي لقطاع غزة. وتتربع بيت لاهيا فوق رقعة رملية من أرض السهل الساحلي الجنوبي، وتحيط بها الكثبان الرملية من جميع جهاتها. وترتفع بيت لاهيا عن سطح البحر بحوالي 55 متراً، وهي تبعد 4 كم عن شاطئ البحر.
يبدو أن قرية بيت لاهيا الصغيرة التى لا يزيد عدد سكانها اليوم عن عدة الاف كانت ذات اهمية كبيرة فى العصر الروماني والبيزنطي، حيث ظهرت باسم " بيثاليا " على خارطة الفسيفساء البيزنطية التي تم اكتشافها في مدينة مأدبا الأردنية. وكشف المنقبون على تل الذهب التابع لبيت لاهيا كميات من الفخار والزجاج، بالإضافة إلى عملات معدنية كثيرة،مما يشير إلى وجود مستوطنة بيزنطية كبيرة على التل. ويبدو أن بيثاليا كانت قرية كبيرة تضم معابد كثيرة في الفترة الرومانية، أبرزها معبد بانثيون، الواقع على قمة تل الذهب، وهو تل اصطناعي مشرف على القرية. ومن المحتمل أن اسم بيثاليا يشير الى معبد بانثيون هذا. كان يمر بالبلدة إبان عهد الانتداب البريطاني خط السكة الحديدية المؤدي إلى حيفا شمالا والقاهرة جنوباً، وبعد حرب عام 1967 م توقف خط السكة الحديد المؤدي الى القاهرة.
تبعد بيت لاهيا حونالي 4 كم عن الطريق الساحلي المؤدي إلى غزة جنوبا، وهناك طرق أخري معبدة تربط بيت لاهيا بمناطق بيت حانون وجباليا والنزلة وبمدينة غزة. ومع تزايد النمو السكاني في بيت لاهيا، وتطور الزراعة في المنطقة استطاع العديد من سكان البلدة والمناطق المحيطة بها استصلاح اراض رملية في منطقة " السيفة ". هذا بالاضافة الى استصلاح اراض رملية حكومية اخري بين البلد وشاطئ البحر فيما عرف باسم مشروع عامر مما جعل هذه المنطقة تتميز اليوم بوجود مناطق طبيعية جميلة، وبساتين عديدة. وتبلغ مساحة اراضي بيت لاهيا حوالي 40 الف دونم، ومعظم اراضيها الزراعية ذات تربة رملية. ومن اهم اشجار بيت لاهيا التفاح، وتعد ثماره من اجود الثمار التى تنتجها بيت لاهيا، ويتميز بحسن رائحته ولذيذ طعمه، وكذلك أشجار الحمضيات والجميز والعنب والتين والشمش والخوخ،وكذلك شجر السمنوط الذى تستخدم اغصانه في صنع السلال، هذا بالاضافة الى زراعة الحبوب والخضروات بكثرة، وتطورت في بيت لاهيا زراعة التوت الأرضي والورود التى تصدر للخارج.
جباليا البلد والمخيم: تقع قرية جباليا وجارتها النزلة إلى الشمال قليلاً من مدينة غزة. يحد جباليا من الشمال الغربي بلدة بيت لاهيا، ومن الجهة الشمالية الغربية منطقة النزلة، التي عرفت في العهد الروماني – البيزنطي باسم "Asalea"، التى اصبحت اليوم متصلة عمرانيا بجباليا. تبلغ مساحة اراضي جباليا البلد حوالي 12 الف دونم، وأهم أشجارها الحمضيات والزيتون والعنب واللوز والتين والتفاح والمشمش وغيرها. ويسيطر مخيم جباليا الذى يبلغ عدد سكانه حوالي 83000 نسمة على القريتين. وهو أكبر مخيم للاجئين الفلسطينيين، يقع على الحدود الشمالية لمدينة غزة مباشرة، ويشتهر بأنه شهد مولد الإنتفاضة الفلسطينية عام 1987م.
في العام 1996 كشفت دائرة الآثار الفلسطينية في غزة آثار مقبرة رومانية بيزنطية على الجهة الغربية من تل جباليا الواقع شمالي شارع ايريز – غزة الرئيسي. وتحتوي المقبرة على نظامين للدفن يعود تاريخهما إلى الفترات الرومانية والبيزنطية. يضم النظام الأول مجموعة من القبور محفورة في الصخر الكركار، ويضم الثاني قبوراً سطحية منفردة في نفس نوع التربة، وهي تأخذ إتجاه شرق – غرب، ومغطاة ببلاد من الحجر الرملي. وقد اكتشف في المقبرة ايضا كثير من القطع الفخارية ومصابيع الزيت الرومانية والبيزنطية، بالإضافة إلى قنان من الزجاج وأساور وأقراط ذهبية وبعض القطع النقدية الذهبية التى يعود تاريخها الى القرن السادس الميلادي. وعلى بعد 100 متر من المقبرة اكتشفت ارضية فسيفسائية على يد نفس الدائرة في العام 1997م. ويبدو أن الأرضية جزء من بناء بيزنطي يضم كنيسة بها ممرات وغرف للأستعمال الدينى أو الدنيوى، بالإضافة إلى ساحة عامة. إن الإبعاد الكبيرة لهذا البناء، ونوعية الفسيفساء المستخدمة، والنقوش اليونانية السبعة عشر التى وجدت هناك، وكذلك تفاصيل زخرفتها الغنية، يجعل منها أهم اكتشاف بيزنطي في غزة. أقدم نقش وجد هنا هو نقش فني مدمر جزئيا يعنود تاريخه الى 444 ميلادي، ومن المفترض أن تاريخ هذه الكنيسة يعود الى فترة اقدم. ومعظم النقوش الأخري مدمرة الى حد كبير وغير مقروءة. ويعتقد أن قرية عسلية الرومانية البيزنطية الموجودة على خارطة مأدبا البيزنطية الفسيفسائية وجدت على البقة الموجودة عليها قرية النزلة اليوم. الأرضية الفسيفسائية مزخرفة بمكعبات حجرية من البازلت الأسود ورخام وزجاج وفخار أحمر وحجر كلسي. ومعظم عناصر الزخرفة من أصل هندهى، وتشمل منظر صيد وزراعة وفواعه وطعام ومناظر من الحياة الرعوية وحيوانات وطيور. وكانت معظم التماثيل البشرية والحيوانية التي اكتشفت مدمرة. وتعطي هذه الاكتشافات الانطباع بان مستوطنة بيزنطية كبيرة، قرية كبيرة، إن لم تكن مدينة كانت موجوندة شمالي مدينة غزة في الفترة البيزنطية.