د. سامح فوزى
هناك ثلاثة توجهات رئاسية مهمة خلال الأيام الماضية فى اتجاه تعزيز حالة حقوق الإنسان. الأول: العفو عن بعض المحبوسين، استجابة للطلب الذى تقدم به المجلس القومى لحقوق الإنسان. والثانى إعادة قانون الإجراءات الجنائية إلى مجلس النواب مرة أخرى مع طلب تعديل بعض مواده، من أبرزها ما يتصل بإيجاد بدائل للحبس الاحتياطى. والثالث التوجيه بإعداد استراتيجية وطنية لحقوق الإنسان تشمل السنوات الخمس التالية على انتهاء المدة الزمنية للاستراتيجية الحالية (2021-2026).

وهناك تطلع وتوقع بأن يشهد المجتمع فى الفترة المقبلة مزيدًا من التوجهات الرئاسية فى سبيل الارتقاء بحالة حقوق الإنسان، لما لذلك من أهمية فى تعزيز حقوق المواطنة، وقيم المساواة والعدالة، ودولة القانون، وإيجاد البيئة المناسبة للاستثمار. ولا أظن أن مساعى الدولة المصرية لتطوير حالة حقوق الإنسان تمثل استجابة لمطالب دولية أو أن الغرض منها تحسين صورتها الخارجية، كما يروج البعض فى إطار حملات التشكيك فى مؤسسات الدولة، لأن كثيرًا مما تبنته الدولة فى مجال حقوق الإنسان، اقتصاديًا واجتماعيًا، على سبيل المثال، لم يكن مثارًا خارجيًا، مثل مبادرات الحماية الاجتماعية مثل «تكافل وكرامة»، و«حياة كريمة»، وغيرهما، وكذلك تمثل الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، التى أعلنها الرئيس عبد الفتاح السيسى فى 11 سبتمبر 2021، التزامًا ذاتيًا من جانب الدولة لتحسين حالة حقوق الإنسان. وقد تحقق كثير مما تضمنته سواء على صعيد تعديل بعض التشريعات، ونشر ثقافة حقوق الإنسان، وتدريب القائمين على إنفاذ القانون، وغيرها، وفى الوقت نفسه لم يتحقق بعض ما تصبو إليه الاستراتيجية، وهو ما سوف يكون بالتأكيد محورًا فى الاستراتيجية الجديدة بالإضافة إلى قضايا مستحدثة لم تكن واردة فى الاستراتيجية الأولى.

ومن الأهمية الاستمرار فى المطالبة بتطوير حقوق الإنسان، سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، فلا يزال هناك الكثير الذى نسعى إلى تحقيقه، ولا يعنى ذلك التقليل من أهمية الجهود التى بُذلت أو الترويج بأنها جاءت استجابة لضغوط خارجية، لأن ذلك يعبر عن خطاب مفعم باليأس والإحباط والإساءة إلى الجهود الوطنية، والذين يرددون ذلك يعرفون أن الدولة لا تستجيب لضغوط خارجية، لا فى قضية حقوق الإنسان، ولا فى قضايا إقليمية عديدة، وما تتخذه من قرارات يأتى تعبيرًا عن إدراكها للمصالح القومية، رغم التحديات التى تواجهها محليًا وإقليميًا وعالميًا.

وبالإضافة إلى التوجهات الرئاسية فى تعزيز حقوق الإنسان، شهدت الفترة الماضية نشاطا مكثفا، من الأطراف الرئيسية فى ملف حقوق الإنسان، وهى اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان، وهى تمثل الأداة المؤسسية الحكومية فى تعزيز حقوق الإنسان، والمجلس القومى لحقوق الإنسان، وهو يمثل مجلسا استشاريا وطنيا مستقلا، والمنظمات الحقوقية على اختلاف اتجاهاتها. وهناك مساع فى الفترة الحالية لإجراء تعديلات على قانون المجلس القومى لحقوق الإنسان بما يدعم استقلالية المجلس، ماليا وإداريا، وقد عقد العديد من الاجتماعات والمشاورات فى هذا الخصوص مع الحكومة وجهات تشريعية وقضائية، ولاسيما أن قانون المجلس أدخلت عليه تعديلات من قبل، ولا نغفل أن المجلس مؤسسة أنشئت منذ عشرين عامًا، ومن الطبيعى أن ينتج عن تفاعله مع السياقين المحلى والدولى باستمرار تصورات حول سبل تعزيز دوره سواء فى نشر ثقافة حقوق الإنسان، أو تطوير آلية الشكاوى بالمجلس، أو تقديم استشارات لمؤسسات الدولة فى مجال تعزيز حقوق الإنسان.

بالتأكيد هناك الكثير من المطالب لدى مختلف المؤسسات التى تعمل فى مجال حقوق الإنسان، أيا كانت صبغتها أو تبعيتها، بهدف تعزيز حقوق الإنسان، ثقافة وممارسة، فلا يكفى تعديل قانون أو الأخذ بتشريع جديد بل يتعين التأكد من تطبيقه بكفاءة، وقياس الأثر المترتب عليه، وتحقيق الالتزامات الدستورية مثل إنشاء مفوضية مواجهة التمييز، والتى نالت نقاشًا واسعًا فى أروقة الحوار الوطنى، واتخاذ السياسات والإجراءات التى تعزز المشاركة فى الفضاء المدنى، والحريات الأكاديمية، وتشجيع القطاع الخاص على تبنى مفاهيم حقوق الإنسان، والحد من ممارسة العنف فى المجتمع.

وعلينا أن نتذكر أن انتهاكات حقوق الإنسان قد تصدر عن طرف حكومى، وقد تصدر كذلك عن تكوينات اجتماعية وشركات خاصة ومواطنين عاديين حيال بعضهم بعضًا، مثلما يحدث فى حالات العنف والتنمر والاعتداء على حقوق المرأة، والطفل، وغيرهم. يعنى ذلك أن تعزيز حقوق الإنسان فى المجتمع المصرى يحتاج إلى جهد متواصل وتراكمى، تشارك فيه مختلف الأطراف، ولكنه كما ذكرت فى عنوان المقال يعبر عن «تطلعات قريبة»، وهى بالفعل كذلك، فهناك كثير من التغيرات الإيجابية التى تحققت كان البعض يراها بعيدة منذ سنوات ليست بعيدة!
نقلا عن الاهرام