نيفين سوريال
المقدمة
الإنسان كائن عُرف منذ البدء أنه اجتماعي، خُلق ليكون في علاقة مع الله ومع الآخرين. لكن ليست كل علاقة تعتبر صحيحة أو مقدسة.
الكتاب المقدس يوضح أن العلاقة السليمة تقوم على المحبة، الصدق، والأمانة، والإخلاص. ولأن العلاقة لا تنجح من طرف واحد فقط، فمن الضروري أن يكون الطرف الآخر سويًا، يحمل نفس المبادئ. العلاقة التي يدخلها إنسان مع شخص سام أو غشاش تصبح علاقة مدمرة، تفقد معناها الروحي، وتبتعد عن قصد الله.
1. أساس العلاقات السليمة هو الله
يسوع لخص الناموس كله في وصيتين:
«تُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ… وَتُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ» (متى 22: 37–39). أي أن العلاقة مع الله هي الجذر، والعلاقة مع الآخرين هي الثمر، لكن المحبة هنا لا تعني التساهل مع الشر أو قبول الغش، بل محبة صادقة قائمة على الحق.
2. دور المحبة والوفاء
الرسول بولس قدّم صورة رائعة للمحبة في (1 كورنثوس 13):
«المحبّة تتأنّى وترفق، المحبّة لا تحسد، لا تتفاخر، لا تنتفخ… لا تفرح بالإثم بل تفرح بالحق».
العلاقة الصحية تُبنى على هذا النوع من المحبة: المحبة التي تحتمل وتسامح، لكن في الوقت نفسه تفرح بالحق وليس بالغش. فإذا كان الطرف الآخر غير سوي، مليء بالغش أو الجحود، فلن يستقيم هذا المبدأ، لأن العلاقة ستكون من طرف واحد فقط.
3. التحذير من المعاشرات الرديئة
الكتاب المقدس يحذرنا:
«لاَ تَضِلُّوا! فَإِنَّ الْمُعَاشَرَاتِ الرَّدِيَّةَ تُفْسِدُ الأَخْلاَقَ الْجَيِّدَةَ» (1 كورنثوس 15: 33).
هذا يعني أن العلاقة مع شخص غير سوي قد تفسد نقاوة القلب وتضعف الروح. لذلك من الحكمة أن نتأكد أن الطرف الآخر أيضًا يسعى إلى المحبة والحق، لا إلى الغش والسم.
4. مثال عن العلاقات السليمة في الكتاب
راعوث ونعمي: علاقة وفاء لا تُنسى، حيث قالت راعوث:
«شَعْبُكِ شَعْبِي، وَإِلهُكِ إِلَهِي» (راعوث 1: 16). هذه علاقة صحية مبنية على الإخلاص.
داود ويوناثان: صداقة حقيقية وصافية، قيل عنها:
«نَفْسُ يُونَاثَانَ تَعَلَّقَتْ بِنَفْسِ دَاوُدَ، وَأَحَبَّهُ يُونَاثَانُ كَنَفْسِهِ» (1 صموئيل 18: 1). هذه العلاقة الصحية نجحت لأن الطرفين كانا أتقياء وأوفياء.
5. العلاج: اختيار الشريك السوي
العلاقة السليمة لا تعني فقط أن نحب نحن، بل أن نُحاط أيضًا بأشخاص أسوياء في قلوبهم.
الكتاب يشجع على اختبار الأرواح (1 يوحنا 4: 1)، وعدم الانخداع بالمظاهر.
يسوع نفسه قال: «مِنْ ثِمَارِهِمْ تَعْرِفُونَهُمْ» (متى 7: 16). إذن لا تكفي الكلمات الجميلة، بل تُقاس العلاقات بالثمار: الوفاء، الأمانة، المحبة الصادقة.
6. الأم المباركة نموذج للعلاقات الصحيحة
الكتاب المقدس يضع الأم في مكانة مميزة، لأنها أول من يعلم الإنسان معنى العلاقة الصحية، المبنية على التضحية، الإيمان، والوفاء. الأم ليست مجرد رمز للعاطفة، بل الشجاعة والإيمان العملي.
أ. يوكابد أم موسى
عندما أصدر فرعون أمره بقتل كل مولود ذكر من بني إسرائيل، وقفت يوكابد في وجه الخوف بإيمان، وخبأت موسى ثلاثة أشهر (خروج 2: 1–2). ثم وضعت ابنها في سفطا من البردي على مياه النيل، مؤمنة أن الله يحفظه.
هذه العلاقة تظهر أن الأم المباركة تضحي بحياتها من أجل خلاص ابنها، وتسلمه ليد الله. محبتها لم تكن امتلاكًا أنانيًا، بل علاقة مبنية على الثقة بالله.
ب. أم تيموثاوس وجدته لوئيس
الرسول بولس كتب إلى تيموثاوس قائلاً:
«إِذْ أَتَذَكَّرُ الإِيمَانَ الْعَدِيمَ الرِّيَاءِ الَّذِي فِيكَ، الَّذِي سَكَنَ أَوَّلًا فِي جَدَّتِكَ لُوَئِيسَ وَأُمِّكَ أَفْنِيكِي، وَلكِنِّي مُوقِنٌ أَنَّهُ فِيكَ أَيْضًا» (2 تيموثاوس 1: 5).
هنا نرى أن الإيمان لم يأتِ من فراغ، بل زُرع في قلب تيموثاوس من خلال تربية روحية حقيقية من جدته وأمه.
الأم المباركة لا تعطي فقط حياة جسدية، بل تغرس الحياة الروحية، وتنقل الإيمان العملي لأبنائها. فعلاقة تيموثاوس بأمه وجدته مثال واضح أن الأم السوية تترك ميراثًا إيمانيًا يثمر أجيالًا.
الخاتمة
العلاقات الصحية في الكتاب المقدس ليست مجرد مشاعر أو كلمات، بل هي حياة قائمة على المحبة والحق. لكن لكي تنجح العلاقة، يجب أن يكون كلا الطرفين سويًا، ثابتًا في الحق، ومتمسكًا بالمحبة التي من الله. أما العلاقة مع إنسان سام أو غشاش، فليست صحية ولا مقدسة، بل تجلب الألم والدمار. لذلك، يدعونا الكتاب إلى أن نختار بحكمة من ندخلهم إلى حياتنا، وأن نسعى دائمًا لعلاقات تبني وتمجّد الله.





