بقلم : عادل شاكر
في الثانية ظهر يوم السادس من أكتوبر عام ١٩٧٣، انطلقت الطلعة الأولى لسلاح الجو المصري لتعلن بداية معركة التحرير الكبرى.

فقد قامت القوات الجوية المصرية بضربة مباغتة على مواقع القوات الإسرائيلية في سيناء، استهدفت مراكز القيادة، ومضادات الصواريخ، ومحطات الرادار والطاقة، والمطارات العسكرية، وقطعت خطوط الإمداد اللوجستية للعدو. كانت تلك الضربة الجوية بمثابة مفتاح النصر، إذ شلت قدرة العدو على الرد، ومهدت الطريق لعبور قواتنا المسلحة قناة السويس في واحدة من أعظم العمليات العسكرية في التاريخ الحديث.

تولى سلاح المهندسين المصري بعد ذلك مهمة تدمير خط بارليف وفتح الثغرات في الساتر الترابي، لتندفع القوات المصرية من غرب القناة إلى شرقها، فوق أرض سيناء الحبيبة، وتشتبك مع قوات العدو في معارك بطولية انتهت بتدمير تحصيناته وتحرير الأرض التي سُلبت.
لقد سُجل هذا اليوم في ذاكرة الأمة كنقطة تحول عظيمة، ومُلحمة عسكرية تُدرَّس حتى اليوم في الأكاديميات والمعاهد العسكرية في مختلف دول العالم، كأحد أبرز نماذج التخطيط والانضباط والإرادة الوطنية.

وبعد استرداد الجزء الأكبر من سيناء بالقوة، استكملت مصر تحرير باقي أراضيها بالمفاوضات والسلام، لتُوقَّع اتفاقية كامب ديفيد التي أعادت إلى مصر كامل ترابها الوطني، جامعًا بين قوة السلاح وحكمة السياسة.

وعند المقارنة بين ما حدث في ٦ أكتوبر ١٩٧٣، وما وقع في ٧ أكتوبر ٢٠٢٣، يظهر الفرق الجوهري بين قيادة دولة مسؤولة تعرف متى تقاتل ومتى تتفاوض، وبين تنظيمات مغامِرة تفتقر إلى الرؤية والحسابات الدقيقة.

ففي فجر السابع من أكتوبر ٢٠٢٣، شنت حركة حماس هجومًا على المستوطنات والبلدات الإسرائيلية المحيطة بقطاع غزة، نتج عنه مقتل نحو ١٥٠٠ إسرائيلي، ما بين مدنيين وعسكريين، وأُسر أكثر من ٢٢٠ آخرين.
لكن الرد الإسرائيلي جاء عنيفًا ومدمرًا، إذ شنّ الجيش الإسرائيلي حربًا شاملة على القطاع استمرت لعامين كاملين، أدت إلى تدمير نحو ٨٠٪ من البنية التحتية في غزة، ومقتل ما يقرب من ٧٠ ألف فلسطيني، وإصابة أكثر من ١٧٠ ألفًا، فضلًا عن تشريد ٢.٥ مليون مواطن وتحويل القطاع إلى أنقاض.
وبدلًا من أن تحقق الحركة نصرًا أو مكسبًا سياسيًا، كانت النتيجة نكبة جديدة ودمار شامل وضياع ما تبقى من الحلم الفلسطيني بإقامة دولة مستقلة.

وهكذا، بينما خاضت مصر حرب تحرير محسوبة أدت إلى استعادة الأرض وبناء السلام، قادت "حماس" مغامرة غير محسوبة انتهت بفقدان الأرض وتشريد الإنسان.

ذلك هو الفارق بين جيوش الدول التي تُقاتل وفق استراتيجية واضحة ومسؤولية وطنية، وبين التنظيمات الأيديولوجية التي تحركها العواطف دون رؤية، فتجلب على شعبها الكوارث بدل الخلاص.