بقلم الأب يسطس الأورشليمى
لمصر مكان بارز في نبوات الكتاب المقدس ، لعل أشهر النبوات المتعلقة بمصر هي نبوة هوشع عن إلتجاء الرب يسوع في طفولته إلى مصر، التي تمت بعد نحو 750 سنة (هو 11: 1، مت 2: 15). ولقد ذكر اسم مصر والمصريين في الكتاب المقدس 698 آية
 
1 - أولى النبوات: التي تخص مصر، هي ما قاله الله لإبراهيم عن تغرب نسله في أرض ليست لهم، وعبوديتهم وذلهم فيها، ثم خروجهم منهـا بأملاك جزيلة بعد أن يوقع الله قضاءه عليها (تك 15: 13، 14). وقد تمت هذه النبوة بحذافيرها بعد ذلك بأربعمائة سنة في عهد موسى، عندما صنع الرب أحكاماً بكل آلهة المصريين (خر 12: 12)
 
2 -  اضمحلال عظمة مصر: أما في الأسفار النبوية فلنا مثلاً في إشعياء 19 نبوة كبيرة عن مصر، وكانت مصر قد وصلت في أيام إشعياء إلى الدرك الأسفل فى الوثنية، جنباً إلى جنب مع روح الكبرياء والاعتداد بالأسلاف القدامى « أنا ابن حكماء » (ع11)! فصدر القضاء الإلهي السريع عليها (ع1)، وهو ما تم بعد ذلك بسنوات، ابتداء من سرجون ملك أشور حوالي 700 ق م، وكان ذلك بداية لاضمحلال عظمة مصر كما ورد في هذا الأصحاح، إذ بدأت سلسلة من الحروب الأهلية (ع2، 3)، صحبَه ركود اقتصادي (ع5-8)، وتأخرت الصناعات (ع9،10)، وتلفت المحاصيل*(ع6)
 
3 - لا رئيس من مصر: يرى إشعياء شراً آخر في أصحاح 30، 31 إذ كانت مصر بكل أسف، بدلاً من الله، متكلاً لشعبه! لقد ساعدتهم مرة فأنقذتهم (إر 37: 5 ـ 11) مما جعل فرعون يظن أنه قوة لا تقهر. الأمر الذي ما كان يمكن أن يمر بلا عقاب للمعين والمعان على السواء (إش31: 3 . انظر أيضاً إر42: 13 - 22). عن هذا الشر بصفة خاصة تكلم حزقيال النبي كثيراً (أصحاح17، 29، 30، 31، 32 … )، وأعطى تفصيلات تمت بكل دقة؛ فذكر خراب مصر كلها من شمالها إلى جنوبها (حز29: 10)، وتشتُت أهلها لمدة أربعين سنة (الأمر الذي تم على يد نبوخذنصر ملكبابل*)، انظر إرميا 25: 18،19. لكن النبي قال أيضاً إنهم سيرجعون من الشتات، لكنهم سيكونون أحقر الممالك، رغم أن مصر كانت فى ذلك الوقت فى قوتها، وكانت تلعب دوراً رئيسياً في شئون العالم.
 
ثم يواصل حزقيال الحديث في الأصحاح التالي فيوضح « لا يكون بعد رئيس من أرض مصر » (حز30: 13)، وهو عين ما حدث ابتداءً من قمبيز مؤسس الأسرة 27 ثم الإسكندر الأكبر، فالبطالسة، ثم الرومان، ثم العرب، ثم التتار، فالمماليك، فالعثمانين، والأتراك. لقد استمر الحال على هذا المنوال لنحو 2500 سنة، حتى قامت ثورة 23 يوليو لتأخذ مصر من جديد وضعها بين الأمم، وذلك تمهيداً لأحداث هامة تحدث « في وقت النهاية » سبق الكتاب فتنبأ عنها.
4 -  خراب المدن المصرية: تتحدث النبوات عن خراب كثير من المدن المصرية القديمة، وتهدم هياكلها (إر43: 8 ـ 13، 46: 19، حز30: 14، يؤ3: 19) وكما قال الرب حدث تماماً. ففي عين شمس مثلاً لا يوجد سوى مسلة واحدة فقط تدل على موقع مدينة بيت شمس القديمة، مما يبرهن على أنها خربت تماماً ولم يبق سوى هذه المسلة لتقف شاهدة على صدق نبوة الكتاب. ومدينة صوعن التي كانت لفترة طويلة عاصمة مصر هي الآن قرية صغيرة تدعى "صان" في محافظة الشرقية. أما بوباستس وتدعى الآن تل بسطة في محافظة الشلاقية كذلك، فهي فعلاً تل أو أكمة عالية تشير إلى خرائب المدينة القديمة. ويوجد في الدلتا أكمات عديدة تدل على مواقع مدن قديمة أمكن الاستدلال على بعضها، ولم يمكن الاستدلال على البعض الآخر، مما يدل على أنها خربت تماماً!!
5 - بركة مصر في النهاية: على أن النبـوة ترى كذلك أموراً مباركة عن مصر، إذ يقول إشعياء « في ذلك اليوم يكون مذبح للرب في وسط أرض مصر وعمود للرب عند تخمها .. ويعرف المصريون الرب خفى ذلك اليوم » (إش 19: 19-21) وقد تمت هذه النبوة جزئياً أيام بطليموس فيلوميتر(181-146 ق.م)، عندما أرسل أونياس رئيس الكهنة رسالة إليه يطلب فيها بناء هيكل للرب بجوار قلعة بوباستس استناداً على هذه النبوة، فسمح لـه. على أن إتمامها سيكون عن قريب، بعد اختطاف الكنيسة « في ذلك اليوم يكون إسرائيل ثلثاً لمصر ولأشور بركة في الأرض، بها يبارك رب الجنود قائلاً مبارك شعبي مصر وعمل يدي أشور وميراثي إسرائيل » (إش19: 24،25).
 
*يترجم البعض إشعياء 19: 7 هكذا «البردي على السواقي ... تتلف وتتبدد ولا تكون» وهذا ما تم فعلاً فاضمحلت زراعة البردي التي اشتهرت بها مصر في الماضي