قداسة البابا تواضروس الثاني للشباب: «أنتم نبض المسيحية ونورها الذي يبدّد ظلمة العالم»
محرر الأقباط متحدون
في مشهدٍ مهيبٍ يجمع بين التاريخ والروحانية، انطلقت فعاليات معهد اللاهوت المسكوني العالمي (GETI 2025)، التابع لمجلس الكنائس العالمي، في دير القديس الأنبا بيشوي بوادي النطرون – أحد أعرق مراكز الرهبنة القبطية في العالم، والواقع جنوب غرب الإسكندرية.
ويُقام المعهد بالتزامن مع انعقاد المؤتمر السادس للإيمان والنظام، أحد أبرز محافل الحوار اللاهوتي في العالم المسيحي، بمشاركة نحو ثمانين من الشباب اللاهوتيين وقادة العمل المسكوني من مختلف الكنائس والتقاليد المسيحية، تحت شعار:
«إلى أين الآن من أجل الوحدة المنظورة؟»
لقاءٌ روحيٌّ وتكوينٌ لاهوتيٌّ في قلب الصحراء المصرية
يمتاز GETI 2025 ببيئته الفريدة التي تقدّم للمشاركين فرصةً نادرة للانغماس في التراث الرهباني القبطي، حيث يتلاقى العمق الروحي مع الدراسة الأكاديمية والحوار المسكوني. ويهدف البرنامج إلى تشكيل جيلٍ جديدٍ من اللاهوتيين الشباب القادرين على حمل رسالة الوحدة والرجاء في عالمٍ يمزّقه الانقسام والتحديات.
وقالت القسّ الدكتورة كوزيبا نالوامبا، مديرة برنامج مجلس الكنائس العالمي للوحدة والإرسالية والتكوين المسكوني، إن نموذج التعلّم المدمج في GETI يمثّل صورةً مصغّرة للوحدة في التنوّع. وأضافت:
«إن مؤتمر الإيمان والنظام لعام 2025 هنا في مصر يمكن أن يكون وقتٍ مليء بنعمة الله، إن أنتم جلستم إلى المائدة – وأنا أؤمن أنكم تفعلون ذلك. فالشباب دائمًا هم الذين يتجاوزون الحدود ويجددون الحاضر».
وأشارت نالوامبا إلى أنّ المسيحيين يعودون في إيمانهم إلى مجمع نيقية الأول، حيث أقرّ الأساقفة إيمانًا واحدًا رغم انقسامات الإمبراطورية، مضيفةً:
«لكن التاريخ ليس متحفًا جامدًا، فالحركة المسكونية تجدّد نفسها دومًا عبر الشباب الذين يطرحون الأسئلة المقلقة وغير المريحة».
وخاطبت الطلاب قائلة:
«أنتم جزء من التقليد النبوي الحيّ. وكما فعل الرهبان الأوائل في الصحراء، أنتم مدعوّون لخلع الأوهام – وهمُ أن الوحدة مجرّد اتفاقٍ عقائدي، أو أن الشباب ليسوا سوى “مستقبل” الكنيسة، بينما هم في الواقع “الآن” الحيّ لحركة الله في التاريخ».
تأملات روحية من التراث القبطي
وفي عظةٍ روحية ألقاها نيافة الأنبا إبراهام، من الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، استلهم الدروس من سيرة القديس أنطونيوس الكبير والقديس أثناسيوس الرسولي، قائلاً:
«نحن اليوم، أيها الشباب، إذ نجتمع في هذا المكان المقدّس، صلّوا لكي تنالوا روح التلمذة الحقيقية: قلبًا يقبل ويفهم كلمات الله، حتى تعودوا لا بالمعرفة وحدها، بل بعمقٍ روحيٍّ ونعمةٍ إلهيةٍ أيضًا».
وقالت البروفسورة الدكتورة آني غازاريان درِسّي، منسقة GETI 2025، إن اللقاء امتلأ بالفرح والامتنان والإحساس العميق بالرسالة، مؤكدةً:
«بعد شهورٍ من التخطيط والتواصل عبر المسافات، نحن هنا أخيرًا – معًا، في مكانٍ واحد، وجهًا لوجه، قلبًا لقلب. في هذا الفضاء المقدّس، يتحوّل تعلّمنا إلى حياة، وحوارنا إلى صداقة، وإيماننا إلى مسيرةٍ مشتركة».
وأضافت: «إن لحظة GETI هي اللحظة التي تنبض فيها الحياة بكلّ شيء: حين تتحوّل الأفكار إلى لقاءات، والوحدة إلى واقعٍ نعيشه ونختبره. فنحن لا نبدأ برنامجًا فحسب، بل نحيا حركةَ إيمانٍ ورجاءٍ وتحوّلٍ تمتدّ إلى ما وراء هذه الجدران».
كما قال القس الدكتور تيدي تشالوي ساكوبابا، من الكنيسة المشيخية المتحدة في جنوب إفريقيا، ونائب رئيس لجنة التعليم والتكوين المسكوني بمجلس الكنائس العالمي:
«إن عالم اليوم يعيش أزمةً تواجه التحدي الأكبر المتمثّل في واقع الإمبراطورية. وفي هذه المرحلة الملموسة من التعلّم، ننتقل من الحوار إلى اللقاء، ومن الدراسة إلى الخبرة المشتركة، ومن التأمّل إلى ممارسة عيش الجماعة المسكونية».
كلمة قداسة البابا تواضروس الثاني: «أنتم نبض المسيحية ونورها الذي يبدّد ظلمة العالم»
في افتتاح المرحلة الإقامية للمعهد، ألقى قداسة البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، كلمةً مؤثرة وجّهها إلى الشباب المشاركين، قال فيها:
«أبنائي وبناتي الأحباء،
يسعدني أن أراكم اليوم في هذا الدير المبارك، في وادي النطرون، حيث نسمات الصلاة التي تعبر القرون ما زالت تعبق في المكان. إن حضوركم هنا ليس مجرد لقاءٍ علميٍّ أو مؤتمرٍ شبابيٍّ، بل هو رحلةٌ روحيةٌ مقدّسة، تتشاركون فيها الإيمان، وتتعلمون فيها الإصغاء بعضكم لبعض، والسير معًا في طريق المحبة التي لا تسقط أبدًا.
أنتم تشكّلون فسيفساء جميلة من ألوانٍ وثقافاتٍ وتقاليد مختلفة، لكنكم جميعًا تعكسون وجه المسيح الواحد الذي يوحّدنا جميعًا. هذا الجمال في التنوع هو عطية الروح القدس للكنيسة.
أصلّي أن يكون هذا المؤتمر منارةً للمحبة والسلام، وأن تصيروا أنتم الصوت الروحي للمسيح الحيّ في هذا الجيل.
ومن بين الدروس التي نتعلمها من مجمع نيقية الأول، الذي نحتفل بمرور 1700 عام على انعقاده، يسطع أمامنا درس التلمذة الحقيقية: فالإيمان لا يُقاس بالسنوات ولا يُوزن باتساع الخبرة، بل يُحدَّد بعمق الشركة مع الله وبصدق الخضوع لإرادته.
أيها الشباب الأحباء،
لا تخافوا من السباحة عكس التيار. أنتم أبناء هذا الجيل وبناته، ولكنكم أيضًا نوره. إن العالم اليوم لا يحتاج إلى مزيدٍ من الكلمات، بل إلى نورٍ صادقٍ يشرق من داخل القلوب.
كونوا هذا النور، وكونوا شهودًا للحق، واغتنموا هذه الأيام المقدسة لتتعلموا كيف يكون الإيمان حياةً تُعاش، لا فكرةً تُناقش فقط.
ليملأ الرب قلوبكم بنعمته، وليجعل من حياتكم رسالة حبٍّ ووحدةٍ ورجاءٍ لكل العالم».
وفي ختام كلمته، أجاب قداسته عن أسئلة الشباب المشاركين، الذين يتابعون برنامجهم المكثّف في الفترة من 13 إلى 28 أكتوبر، متزامنًا مع أعمال المؤتمر العالمي السادس للإيمان والنظام.
بهذا اللقاء التاريخي في وادي النطرون، عادت الصحراء المصرية لتكون مرّةً أخرى منارةً روحيةً تشهد على العمق الرهباني القبطي وقدرته على احتضان العالم المسكوني بلغة الصلاة والتجديد.
وقد حملت كلمات قداسته – ومعها أصوات الشباب المشاركين – نغمة رجاءٍ جديدة تؤكد أن الوحدة المسيحية ليست فكرةً بعيدة، بل مسيرةٌ حية يقودها الروح القدس عبر الأجيال.
مصر تستضيف معهد اللاهوت المسكوني العالمي في وادي النطرون بمشاركة شباب من مختلف الكنائس
البابا تواضروس الثاني للشباب في GETI 2025: أنتم نبض المسيحية ونورها الذي يبدّد ظلمة العالم
وادي النطرون يحتضن اللقاء العالمي للاهوتيين الشباب تحت شعار «إلى أين الآن من أجل الوحدة المنظورة؟»
قداسة البابا يفتتح فعاليات معهد اللاهوت المسكوني العالمي ويدعو الشباب ليكونوا نورًا للعالم
مجلس الكنائس العالمي يطلق معهد GETI 2025 في دير الأنبا بيشوي بمصر
القسّة نالوامبا: الشباب يجددون الحركة المسكونية ويكسرون أوهام الانقسام
الأنبا إبراهام في تأمل روحي: صلّوا لننال روح التلمذة الحقيقية ونعمة الله
لقاء عالمي في قلب الصحراء المصرية يجمع الإيمان، الحوار، والتجديد الروحي
البابا تواضروس: لا تخافوا من السباحة عكس التيار... العالم يحتاج إلى نوركم لا كلماتكم
الصحراء المصرية تستعيد رسالتها الروحية كمنارة للوحدة بين الكنائس