كمال زاخر
الأربعاء 15 اكتوبر 2025
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تعد زيارة قداسة البابا تواضروس الرعوية لإيبارشيات محافظة اسيوط إمتداداً وإحياءً لتقليد كنسي قديم، إذ كان من المتبع أن يقوم البابا عقب رسامته بجولة تفقدية يجوب فيها انحاء مصر ثم أضيف إليها كنائس وايبارشيات بلاد المهجر يالقارات الست (والايبارشية هي نطاق جغرافي يشمل عدة مراكز وقري فى محافظة ويقوم على خدمتها أب أسقف).
وكانت كنائس الصعيد في أوقات كثيرة ملجأً يلوذ به البابا البطريرك محتمياً من ملاحقة الأباطرة والحكام سواء في سني الإضطهادات في الإمبراطورية الرومانية أو غيرها.
وتأتى هذه الزيارة التي امتدت لنحو ثمانية أيام، مع بداية شهر اكتوبر 2025، هي الأولي لأسيوط والثانية للصعيد بعد زيارته لإيبارشية سمالوط المنيا 2015، وتأتى زيارته لايبارشيات اسيوط بعد نحو عشرون عاماً من زيارة قداسة البابا شنودة للأقصر ونقادة وسوهاج 2004 والتي استغرقت خمسة أيام، وبعد نحو ثلاثة ارباع القرن من زيارة قداسة البابا كيرلس السادس لأغلب محافظات الصعيد أغسطس 1960، ثم زيارة خاصة للبابا كيرلس للدير المحرق 1965.
زار البابا تواضروس في جولته الرعوية سبع إيبارشيات؛ تتوزع عليهم مراكز محافظة أسيوط:
• أسيوط وساحل سليم والبداري،
• أبنوب والفتح ومدينة أسيوط الجديدة ،
• ديروط وصنبو،
• أبو تيج وصدفا والغنايم،
• رزقة الدير المحرق،
• القوصية ومير،
• منفلوط.
لم تقتصر الزيارة على الترتيبات الكنسية، فقد شهدت بعداً شعبياً ترجم مشاعر اهالي البلاد والقري بالفرحة من خلال البوابات التي أقيمت على مداخلها، ولافتات الترحيب التي كشفت عن المعدن الأصيل للمصريين إذ حملت ترحيباً من المسيحيين والمسلمين، وكان البابا ومرافقوه من الآباء والبالغ عدده 25 مطراناً واسقفاً، محل ترحيب من القيادات السياسية التنفيذية والشعبية يتقدمهم محافظ الإقليم، وأحيطت الجولة بإجراءات أمنية فائقة، تستحق الإشادة، وشهدت حشود من الأهالي الذين جاءوا من القرى والنجوع استقبالاً لقداسته، وجاءت لتكشف إنحسار الإرهاب في محافظة شهدت العديد من الأعمال الإرهابية، وتعلن الطبيعة المسالمة للشعب المصري ووحدته.
وفي سعي دعم التواصل بين الكنائس استقبل قداسته مطارنة واساقفة الكنيسة القبطية الكاثوليكية بإيبارشيات اسيوط الذين بادروا بالترحيب بقداسته بمحبة تترجم مساعي التقارب الأخوي بين الكنيستين، وهي زيارة مقدرة ولها دلالاتها التي تتفق والمساعي المسكونية في هذا الصدد.
كان من اللافت البعد الشعبي في مظاهر الترحيب بقداسة البابا خارج اسوار الكنائس، والذي تجلي في الفلكلور الشعبي وعادات أهل الصعيد في إعلان فرحهم عبر الرقص بالخيول على دقات الطبول والمزمار البلدي التقليدي، والذي حول الزيارة إلى عُرس شعبي بعم شوارع وقري المحافظة. بروح مصرية تراثية مبهجة.
دشن (افتتح بالصلاة) قداسته سبع كنائس في أربع إيبارشيات هي: أسيوط، الدير المحرق، أبنوب والفتح وأسيوط الجديدة، ومنفلوط، كما وضع حجر أساس لكنيستين، وافتتح بعض الكنائس الجاري تشييدها بتلك الإيبارشيات.
وعلى صعيد المشروعات الخدمية افتتح قداسة البابا سبعة مشروعات خدمية (مدارس ومستشفيات وأندية) تشرع أبوابها لكل المصريين، ووضع حجر الأساس لستة مشروعات مثيلة.
وبحسب متابعات المركز الإعلامي للكنيسة القبطية الأرثوذكسية فقد ألقى قداسته ستة وعشرون عظة في مختلف الكنائس والأديرة، وأربع كلمات عامة في حضور قيادات محافظة اسيوط التنفيذية والشعبية والبرلمانية، وعقد إجتماعين موسعين مع كهنة الإيبارشيات والمكرسات، وزار سبعة عشر كنيسة.
وفي ذات السياق زار قداسته تسعة أديرة في مختلف الإيباشيات، هي اديرة درنكة (اسيوط)، والبابا اثناسيوس بدير الزاوية (اسيوط)، والمحرق (القوصية)، والامير تادرس الشطبي الشرقي (منفلوط)، والامير تادرس الشطبي الغربي (منفلوط)، والعذراء ورئيس الملائكة ميخائيل للراهبات (ديروط)، ومارمينا المعلق (أبنوب)، والقديس تواضروس المشرقي (ديروط)، والأنبا هارمينا السائح (اسيوط).
وعلى المستوى الرسمي لاقت زيارة قداسة البابا اهتمامًا كبيرًا، حيث رافق محافظ أسيوط اللواء الدكتور هشام أبو النصر قداسته في العديد من المناسبات أثناء الجولة، مبديًا تقديره الكبير لزيارة قداسته.
تميزت لقاءات البابا بغياب الترتيبات البروتوكولية في حضور عامة الشعب الأمر الذي انعكس علي حميمية المشهد، والتي وثقتها الصور والفيديوهات التي اجتاحت مواقع التواصل الإجتماعي، وصار مرور قداسته بين أمواج البشر في كل كنيسة، أيقونة متكررة في كل الأماكن التي زارها، مصلياً ومتكلماً ومفتتحاً لمشاريع الكنيسة الخدمية، بين الأيادي الممدوة لأخذ بركته والتي شكلت ما يشبه الأغصان المتشابكة، والتي جاءت استفتاء شعبياً علي موقع قداسته الأثير في الكنيسة، في رد شعبي عملي، على حملات التشويه متعددة المصادر والمختبئة خلف شاشات العالم الإفتراضي.
كانت لقاءات قداسته مع الأطفال والإنصات اليهم واحدة من المشاهد التي تكشف عمق ابوته، ورهانه على الأجيال الواعدة، والتي تؤكد على تواصل الأجيال وعلى أن الكنيسة أم ولود، وبين المرتلين من الشمامسة يظهر ذوى الهمم ممن كف بصرهم وهم ينشدون ترتيلهم بالاستعانة بطريقة برايل، بل ويقرأون القراءات الكنسية بنفس الطريقة، وبأداء متميز ومتقن وصوت عذب.
جولة البابا كان عنوانها البهجة والحب وتواصل الراعي مع رعيته وتركت في النفس أثراً لا يمحى، وأعادت الأمل في غد أكثر إشراقاً.





