بقلم الأب يسطس الأورشليمى
في الإصحاح الثاني من سفر يشُوع، والتي بسبب آثامها كان محكُوماً عليها أن تهلك مع شعبها الكنعاني الأثيم، عندما يحين وقت قضاء الله لكنها عرفت الإله المُحب الذي يعفُو وينجي، عفا عن آثامها ونجاها من اللعنة التي أتت بالدمار إلى كُل شعبها، وصنع المعجزة وأنقذها (يش2)..
والقصة: تبدأ برجلين ارسلهما يشُوع بن نون لكي يتجسّسا مدينة أريحا ويشُوع هُو القائد الذي اختاره الله ليقُود شعبه في المعارك العظيمة لامتلاك أرض المُوعد كنعان، أما أريحا فهي المُوقعة الأولى، وهي أقُوى كُل مدن كنعان، وقد عُرفت بأسُوارها المنيعة العالية القُوية الشامخة..
تأمل راحاب التي سمعت عن عمل الله العجيب في تحرير شعبه من أرض مصر حيثُ العبُودية، وانشغلت بما سمعته، فأتى بالإيمان إلى قلبها، وتُوقعت عملاً من الله لتحريرها، لقد اعتبر الوحي ما فعلته راحاب بالإيمان على نفس ما فعله إبراهيم عندما وضع ابنه اسحق على المذبح، فكيف تحركت راحاب مدفُوعة بهذا الإيمان الحي والحب والتضحية ؟! أنظر (عب1:11؛ يع25:2)..
أولاً: لقد تحدثت بلغة الإيمان..
تأمل كلماتها إلى الرجُلين الذين أتيا ليتجسّسا مدينتها، قالت لهما: علمت أن الرّب قد أعطاكم الأرض وأن رُعبكم قد وقع علينا، وأن جميع سُكان الأرض ذابُوا من أجلكُم (يش9:2)، واستخدمت زمن الماضي، قالت: الرّب أعطاكُم، ولم تقل الرّب سيعطيكُم، مما يُؤكد ثقتها بأن وعُود الله لشعبه ستتم حتماً مهما كان ارتفاع الأسُوار ومناعتها، ومهما كانت قُوة الجيش..
ثانياً: قبلت مغامرة الإيمان..
عندما بلغ إلى مسامع راحاب أن الملك قد علم أن الجاسُوسين دخلا منزلها لم تتخلّ عنهما، والإيمان الحي يرتبط دائماً بالمحّبة، فهو إيمان عامل بالمحّبة (غل6:5)، المحّبة التي تتبع الرّب يسُوع في طريق البذل والتضحية والعطاء الذي بلا حدُود، فهي غامرت وأخرجت الرجُلين في طريق آخر بالإيمان راحاب الزانية لم تهلك مع العصاة (عب31:11)..
ثالثاً: امتد إيمانها ليُنجي أسرتها..
قالت: أن تعملا أنتما أيضاً مع بيت أبي معرُوفاً، وتستحيا أبي وأمي وإخُوتي وأخُواتي وكُل ما لهُم وتُخلّصا أنفُسنا من المُوت (يش13:2)..
كانت كلماتها لأهلها مُؤثرة، فصدقُوا ما قالته وآمنوا مثلها، وأطاعُوا كلام الرجُلين لها، ولم يُغادرُوا بيتها رغم رُؤيتهُم للسُور الذي به البيت يتهاوى من حُولهُم، ولم يهربُوا للنجاة بل ظلوا في مكانهُم بداخل البيت منتظرين وعُود الله لهُم..
كان لبيت راحاب الذي بسُور المدينة (أريحا) الدائري، أبُواب ونُوافذ فالأبُواب تقُودك من بيت راحاب الذي بالسُور إلى داخل مدينتهُم الآثمة، أما النافذة فتطل بك على الفضاء الواسع حيثُ كانت أنظار راحاب تتجه مُترقبة وصُول شعب الله، تترقب بثقة وإيمان أنه آت بكُل تأكيد لإنقاذها كما وعدها الرجُلان، لقد علقت بالنافذة الحبل القرمزي كما أوصاها، فيكُون كُل من يخرج من أبواب بيتكِ إلى خارج فدمه على رأسه، أي لن ينال النجاة..
فهي أغلقت الأبُواب، والطريق إلى عالمها القديم، لتُعلن أنها لم تعد تنتسب إلى هذا العالم، ولا للمدينة التي ستُحرق بنار غضب الله، أغلقت الباب أمام حياتها السابقة، لن تُعاقب على خطيتها (زناها)، بل ستأخذ قُوة من الله وتُجاهد وتنتصر وتقُول: يعظُم انتصارنا بالذي أحبنا..
بعد أن أغلقت راحاب الأبُواب، وفتحت النافذة لتترقب مجيء الشعب لكن ماذا يعني الحبل القرمزي الذي أستخدم لإنزال الرجُلين ليهربا ؟!
الحبل يتحدث عن الارتباط، فهُو رباط يصل بين اثنين كل منهما يمسك بأحد طرفيه، وأنها الآن صارت مُرتبطة بشعب الله، أما القرمز فهُو لُون الدم، أي أنها مرتبطة بهذا الشعب الجديد الذي تُميزه دماء الذبائح المسفوكة في كُل يوم، فهُو يرتبط بإلهه بعهد الدم الذي يُغطي خطاياه ويحجب عنه اللعنات، لأن بدُون سفك دمٍ لا تحصل مغفرة، أنظر الكتاب المُقدس (عب22:9)..
إن حبل القرمز يُشير إلى: ارتباطنا مع الله المُؤسّس على سفك دم الرّب يسُوع الثمين، فهُو الدم الذي يربطني بالله بعهد أبدي حيثُ الغفران والحرية والفداء والشفاء، وكُل إمتيازات أولاد الله، فأغلق الباب، وافتح النافذة..
أغلق الباب أمام حياتك القديمة، أغلقه أمام الاستهتار واللامبالاة والخُوف والشك واليأس وفقد الرجاء، وهيا افتح النافذة لتنظر إلى حبل القرمز والسماء وآفاق المجد، افتحها لتنظر دم الحمل الكريم..
أغلق الباب لتقُول: أنا لست لأريحا ولست للعالم، وافتح النافذة لتقُول: أنا لمَن فداني وخلّصني بدمه الثمين على عُود الصليب، أغلق الباب لكي لا ترى المُوت، وافتح النافذة لتتمتع بالحياة مع الرّب يسُوع إلهك..
أغلق الباب أمام ما تراه بعينيك، وما تسمعه بأذنيك من أخبار مُزعجة تنزع السلام من قلبك، وافتح النافذة أمام وعُود الله العظيمة، فهُو يُدافع عنك ويعتني بك، ويُحول كُل لعنة إلى بركة، لأنه إله المعجزات..
أغلق باب الشك، وافتح نافذة الإيمان، وتطلع إلى كُوكب الصبح المنير الرّب يسُوع، بحب عجيب وإيمان راسخ، وتطلع إلي رئيس الإيمان ومُكمّله يسُوع، أنظر إليه وتمتع بحلاوته، أقرأ كلمته في الكتاب المُقدس، وتلامس مع أنفاسه الإلهية، فهو لن يتخلى عنك وستراه يعمل بك وفيك ومعك العجائب والمعجزات، وسيعطيك قُوته فتهزم الشكُوك والحزن والكآبة، وثق أن إلهك يحبك بلا حدُود (يو16:3؛ 1يو16:4)..