بقلم الأب يسطس الأورشليمى
هي قصة العرُوس الخائنة؟! (حز16)..يُمثل هذا الإصحاح أنشُودة الخلاص المجاني الذي قدمه لنا الله بالرغم من خطايانا ونجاسات قلبنا، ويبقى يُقدمه لنا كُل أيام غربتنا حتى يدخل بنا كعرُوس مُقدسة للمسيح، فإن بدء هذه الأنشُودة هُو اكتشافنا خطايانا لكي نتقبل عمله فينا، وتبدأ كلمات الرّب هكذا:

يا ابن آدم عرف أورشليم برجاستها، هذا هُو الطريق الذي هيأه يُوحنا المعمدان للمسيح، حينما جاء يكشف عن الضعف البشري، لكي يقبل الخطاة ذبيحة المسيح الكفارية، عمل الرُوح القُدس فينا يفضح ضعفاتنا أمام بصيرتنا الداخلية، فنعترف بها وتنسحق وتتذلّل..

إذا أسلمت النفس ذاتها للرّب بكُل قُوتها، فإن الله الصالح يُظهر لها هذه الأوجاع والعيُوب واحدة واحدة لكي تحيد وتبتعد عنها، وأنت لا تستطيع أن تصغي لكلماته الإلهية، وأنت لم تعرف ذاتك..

ما هي رجاستها؟ قال السيد الرّب لأورشليم:
مخرجُكِ ومولدُكِ من أرض كنعان، أبُوكِ أمُوريٌ وأمُكِ حيثيةٌ..

كان يهُوذا وأيضاً إسرائيل يفتخران أنهما من نسل إبراهيم، جنس مُختار لكن الرّب يُعلن لأورشليم أنها لم تخرج من صلب إبراهيم رُوحياً ولا ولدت منه، بل من أرض كنعان، أبوها أمُوري وأمها حيثية..

لقد سقطُوا في خطايا الأمُوريين والحثيين وارتبطُوا بهُم من خلال الشرّ، فنزعت عنهُم بنُوتهُم لإبراهيم أبي المُؤمنين، بل ونزع عنهُم انتسابهُم لله، وصارُوا بالحقّ أبناء هذين الشعبين، أنهُم ليسُوا من سلالة هذين الشعبين، إنما دعُوا أولاداً لهما بسبب تشبههم بشرهما وعاداتهما، هُؤلاء الذين دعاهُم قديماً أبناء له قائلاً: ربيت بنين ونشأتهُم (إش1:2).. 

ارتكبت أورشليم خطايا عبادة الأوثان، فلا تستحق أن تدخل في وعُود الله، صارت أمُورية الأب وحيثية الأم، خارج دائرة المواعيد الإلهية، هكذا مَن يقبل التعاليم الغريبة، والفلسفات الكاذبة، بعيدة عن رُوح الكتاب يبقى خارجاً، فلا يُحسب أورشليم، بل كنعانياً أو أمُورياً أو حيثياً، وقد ذكر أن والدها أموري وولدتها حيثية، لأنه حيثُ تُوجد الخطيئة يُوجد انقسام وانشقاق وتفريق، وحيثُ الفضيلة توجد الوحدة والاتحاد، فيكُون المُؤمنُون بقلبٍ واحدٍ ورُوح واحدة، وكما أن الآب والابن واحد كذلك نحنُ..

أما ميلادُكِ يوم وُلدتِ فلم تُقطع سُرتُكِ، ولم تُغسلي بالماء للتنظف
ولم تُملحي تمليحاً ولم تُقمطي تقميطاً، لم تشفُق عليكِ عينٌ لتصنع
لكِ واحدةً من هذه لترق لكِ، بل طرحتِ على وجه الحقل بكراهة
نفسكِ يوم وُلدت، فمررت بكِ ورأيتُكِ مدُوسةً بدمك .. (4-14)..

كان الطفل حديث الولادة يُدلك بالملح بخفة ويُقمط، وتترك يداه ورجلاه مُقمطة لعدة أيام، كانت الأمهات يعتقدن أن بهذا يصير أطفالهن أقوياء، محفُوظين من أي مكرُوب، هذه هي عادة الشرق قديماً، لذا نسمع عن السيدة العذراء أنها قمطت الطفل يسُوع، وعدم تقميط الطفل يعني أنه طفل غير مرغُوب فيه، إنها صُورة مُؤلمة للجنس البشري..

إذ يُولد الإنسان ورجاساته تعمل في داخله، ليس مَن يقدر من البشر أن يغسل أدناسه أو يستر عليه بقماط ويحمله من عاره، لهذا يصرخ المُرتل قائلاً: هأنذا بالإثم صُورت، وبالخطية حُبلت بي أمي، ويقُول إرميا النبيّ: 

ملعُون الرجل الذي يتكل على الإنسان ويجعل الجسد ذراعه، وعن الرّب يحيد قلبه (مز5:50؛ إر5:17)، هكذا يشعر الإنسان بالعجز عن التقديس، ليس مَن يسنده ولا مَن يعينه، لهذا تدخل الله.. 

يُؤكد الرّب للنفس البشرية أنه مر عليها فوجدها عريانة، ليس مَن يستر عليها، فتقدم إليها بالحُب وخطبها عرُوساً له، ولم يستنكف القدُوس من أن ينزل إلينا في أرض الشقاء، ويمد يده إلى ضعفنا ليهبنا الاتحاد معه، مُقدماً ذاته عريساً لنا لنكُون عرُوساً له، إنه لم يرسل إليها واحداً من خدامه لا ملاكاً، ولا رئيس ملائكة، بل نزل بذاته إليها..

فحممتُك بالماء وغسلتُ عنك دماءكِ ومسحتُكِ بالزيت، وألبسُتكِ مُطرزةً ونعلتُكِ بالتُخس وأزررتُكِ بالكتان وكسوتُكِ بزاً وحلّيتُكِ بالحُليّ فوضعت أسورة في يديكِ وطوقاً في عُنقُكِ ووضعت خزامةً في أنفكِ وأقراطاً في أذُنيكِ، وتاج جمالٍ على رأسكِ فتحلّيتِ بالذهب والفضة ولباسك الكتان والبز والمُطرز وأكلتِ السميذ والعسل والزيت وجمُلت جداً جداً فصلُحتِ لمملكةٍ وخرج لكِ اسمٌ في الأمم لأنه كان كاملاً ببهائي الذي جعلتُه عليك يقُول السيد الرّب، راجع الكتاب (حز9:16-14)..

إنها صُورة رائعة لعمل السيد المسيح معنا، خاصة من خلال المعمُودية المُقدسة ومسحة الميرُون وسرّ الأفخارستيا، لقد دخل بها إلى مياه المعمُودية لكي يغسلها من دماء خطاياها، يدهنها بزيت المسحة فتصير برُوحه القدُوس في ملكيته، لها ختم الرُوح، يلبسها ثياب البرّ تحتذي لتسلك طريق الله، تلبس الكتان علامة الطهارة، والبز علامة البرّ.. 

يُقدم لها حلياً ليست من هذا العالم، لكنها عربُون الرُوح الذي يكسب النفس جمالاً، يضع أسُورة في يديها وطُوقاً في عنقها، وخزامة في أنفها، وأقراطاً في أذنيها وتاج جمال على رأسها، ما هذه إلا أعمال الرُوح في حياتنا الداخلية، إذ تُقدس كُل حواسها وطاقاتها لحساب الملكُوت، فتمتد يدها للعمل بلا كسل، وينحني عنقها لحمل أثقال الآخرين بفرح، وينفتح أنفها لتشتم رائحة السماء، وتتزين أذناها بسماع الوصايا، أما تاج جمالها فهُو المسيح نفسه الذي يملأ فكرها ويدبر كُل تصرفاتها..

لقد فتح لها باب الرجاء بعد التأديب بعُودتها إليه خلال العهد الجديد، حيثُ تدخل فيه في المسيح يسُوع ربنا بقُوله: 
ولكنيّ أذكر عهدي معكِ في أيام صباكِ وأقيم لكِ عهداً أبدياً..وأنا أقيم عهدي معكِ فتعلمين أني أنا الرّب، لكي تتذكري فتخزي ولا تفتحي فاكِ بعد بسبب خزيكِ حين أغفر لكِ كُل ما فعلتِ يقُول السيد الرّب (60-63)..

هذا هُو العهد الأبدي، الذي فيه لا نعود نذكر خطايانا، بل نجد فيه غفراناً لكُل ما فعلنا فيستريح قلبنا إلى الأبد..