محرر الأقباط متحدون
شارك الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط البروفسور ميشال عبس ووفد من المجلس في لقاء البابا لاون الرابع عشر مع المؤمنين في قاعة القديس بولس السادس

وإليكم نص كلمة البابا لاون للمؤمنين في قاعة القديس بولس السادس:
باسم الآب والابن والروح القدس. السلامُ معكم!
أيها الإخوة والأخوات الأحبّاء،

يسرّني أن ألتقي بكم غداة إعلان قداسة القدّيسين السبعة الجدد الذين تربطكم بهم، لأسباب مختلفة، علاقةٌ مميّزة. أوجّه تحيّتي إلى كلٍّ منكم، لا سيّما إلى الكرادلة والأساقفة والرئيسات العامات للرهبانيّات والسلطات المدنيّة الحاضرة بيننا. إنّ الحدث المهيب والمفرح الذي احتفلنا به أمس يذكّرنا بأنّ شركة الكنيسة تشمل جميع المؤمنين، في المكان والزمان، وفي كلّ لغةٍ وثقافةٍ، فتوحّدنا كشعب الله، وجسد المسيح، وهيكل الروح القدس.

الرجال والنساء الذين أعلَنّاهم قدّيسين أمس هم علاماتٌ مشرقة للرجاء لنا جميعًا، لأنّهم قدّموا حياتهم في محبّة المسيح والإخوة.

ونحن نتشارك فرحَ الشعب الأرمنيّ العزيز إذ نتأمّل قداسة الأسقف الشهيد إغناطيوس مالويان. لقد كان راعيًا على مثال قلب المسيح، وفي أزمنة الشدائد العصيبة لم يتخلَّ عن رعيّته، بل شجّعهم ليقوّي إيمانهم. وعندما طُلِب منه أن يُنكر إيمانه مقابل نيل الحرّية، لم يتردّد في اختيار ربّه، حتّى إلى حدّ إراقة دمه في سبيل الله. هذا يُذكّرني بمودّةٍ بالشعب الأرمنيّ الذي ينقش الصليب في الحجارة علامةً على إيمانه الراسخ والثابت كالصخر. فلتُجدِّد شفاعةُ القدّيس الجديد حماسةَ المؤمنين، ولتُثمر مصالحةً وسلامًا للجميع.

ونرى الإيمان العميق لشعب بابوا غينيا الجديدة متجسّدًا في القدّيس بطرس تو روت، الذي يقدّم لنا مثالًا مُلهِمًا في الثبات والقوّة في إعلان حقائق الإنجيل أمام الصعوبات والتحدّيات وحتّى التهديدات للحياة. فمع أنّه كان معلّمًا عاديًّا للتعليم المسيحيّ، أظهر شجاعةً استثنائيّة حين خاطر بحياته لمتابعة رسالته سرًّا، لأنّ السلطات المحتلّة خلال الحرب العالميّة الثانية كانت قد منعت العمل الراعويّ. وفي الوقت نفسه، عندما سمحت تلك السلطات بتعدّد الزوجات، دافع القدّيس بطرس تو روت بشجاعةٍ عن قدسيّة الزواج وواجه أشخاصًا ذوي نفوذ. ولنُصغِ إلى كلماته في وجه العداء:

«إنّه زمنٌ صعبٌ جدًّا لنا جميعًا، ونحن خائفون. ولكنّ الله أبانا معنا ويعتني بنا. يجب أن نصلّي ونسأله أن يبقى معنا دائمًا».

أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، ليشجّعنا مثال القدّيس بطرس تو روت على الدفاع عن حقائق الإيمان، ولو كلّفنا ذلك تضحياتٍ شخصيّة، وعلى الاتّكال الدائم على الله في المحن.

أيّها الإخوة والأخوات الأحبّاء،
لقد نشر الأساقفة في فنزويلا في السابع من تشرين الأوّل رسالةً بمناسبة الحدث السعيد الذي شاهدوا فيه صعود اثنين من أبناء أرضهم العزيزة إلى المذابح: القدّيس خوسيه غريغوريو هيرنانديث والقدّيسة كارمن رنديلس، راجين من الربّ أن يكون هذا دافعًا قويًّا ليتّحد جميع الفنزويليّين ويعرفوا أنفسهم كأبناءٍ وإخوةٍ في وطنٍ واحد، متأمّلين في حاضرهم ومستقبلهم على ضوء الفضائل التي عاشها هذان القدّيسان ببطولةٍ.

وقد يُطرح السؤال: ما هي هذه الفضائل التي يجب أن تحفّزنا؟
بالتأكيد الإيمان، إذ كان الله حاضرًا في حياتهما وحوّلها، فحوّل وجودهما البسيط كشخصين عاديَّين مثلنا إلى مصباحٍ يُنير الجميع في حياتهما اليوميّة بنورٍ جديد. ولا شكّ أيضًا في فضيلة الرجاء، إذ إن كان الله هو جزاءنا الأبديّ، فلا يمكن أن تنتهي أعمالنا ونضالاتنا بأهدافٍ واهيةٍ ومؤقّتةٍ وغير لائقةٍ بكرامتنا. وأخيرًا المحبّة، التي تنبع من استقبال العطيّة الإلهيّة ومشاركتها؛ تلك التي تجعلنا نكتشف المعنى الحقيقيّ للحياة، وتدعونا لبنائها من خلال الخدمة، سواءٌ تجاه المرضى أو الفقراء أو الصغار.

ولكن، كيف يمكن للتأمّل في هذه الفضائل أن يساعدنا اليوم؟
يمكنه ذلك إذا، ونحن نتأمّل في هاتين الشخصيّتين العظيمتين، رأينا فيهما أشخاصًا يشبهوننا كثيرًا، عاشوا وواجهوا مشاكل ليست غريبةً عن واقعنا، ويمكننا نحن أيضًا أن نواجهها كما فعلا، مقتدين بمثالهما. ومن جهةٍ أخرى، عندما ندرك أنّ من يعيش إلى جانبنا — مثلي ومثلهم — مدعوٌّ إلى القداسة عينها، عندئذٍ يجب أن أراه أوّلًا كأخٍ أُكرّمه وأحبّه، أشاركه درب الحياة، نساند بعضنا في الصعوبات، ونبني معًا ملكوت الله بفرح.

نُسبّح الربّ أيضًا من أجل الأخت ماريّا ترونكاتي، القدّيسة الساليزيانيّة التي كرّست حياتها لخدمة الشعوب الأصليّة في الإكوادور. إذ جمعت بين الخبرة الطبيّة والحماسة للمسيح، فكانت هذه المرسلة السخيّة تشفي الأجساد والقلوب بالمحبّة والقوّة اللتين كانت تستمدّهما من الإيمان والصلاة. وعملها الدؤوب هو مثالٌ لنا عن محبّةٍ لا تعرف الاستسلام أمام الصعوبات، بل تحوّلها إلى فرصٍ لعطاءٍ مجانيّ وكامل للذات.

وفي عنايته، منح الله الكنيسة الأختَ فينتشنتزا ماريّا بولوني، مؤسِّسة راهبات الرحمة. إنّ موهبتها الخاصّة تشهد لعطف يسوع على المرضى والمنبوذين. فبفضل تغذيتها التزامها الاجتماعيّ بروحانيّةٍ إفخارستيّةٍ عميقةٍ وبالتقوى المريميّة، تشجّعنا القدّيسة فينتشنتزا على المثابرة في الخدمة اليوميّة للأكثر ضعفًا: فهناك بالضبط تُزهِر القداسةُ في الحياة!

إنّ هذا التحوّل الذي تُحدثه نعمة الله في القلب يجد مثالًا مميّزًا له في بارتولو لونغو. فبعد أن ارتدّ من حياةٍ بعيدةٍ عن الله، كرّس كلّ طاقته لأعمال الرحمة الجسديّة والروحيّة، ناشرًا الإيمان بالمسيح والمحبّة لمريم من خلال خدمته للأيتام والفقراء واليائسين.

فليحفظ مزار بومبي، الممتنّ لمؤسّسه، غيرةَ القدّيس بارتولو وينشرها، ذاك الرسول العظيم للوردية. وأنا أوصي من قلبي بهذه الصلاة للجميع: للكهنة والرهبان والعائلات والشباب. فبالتأمّل في أسرار المسيح بعيني مريم، نتشرّب الإنجيل يومًا بعد يوم ونتعلّم أن نعيشه عمليًّا.

أيها الحجّاج الأحبّاء، أتمنّى أن تعودوا إلى أوطانكم وقلوبكم مملوءة بالشكر، وبالرغبة الملتهبة في الاقتداء بالقدّيسين الجدد. لترافقكم شفاعتُهم ولِيُلهمكم مثالُهم. وبمحبّةٍ أبويّة أُمنحكم جميعًا البركةَ الرسوليّة.